تخطى إلى المحتوى

لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين

    الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبد الله ورسوله نبينا محمد وعلى أله وصحبه أجمعين، أما بعد فيقول الإمام زين الدين أبو العباس أحمد بن أحمد بن عبداللطيف الزبيدي ” رحمه الله تعالى ” في كتابه التجريدي الصريح لأحاديث الجامع الصحيح وفي رواية عن الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم: “فو الذي نفس محمد بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده” وعن أنس رضي الله تعالى عنه الحديث بعينه وزاد في آخره والناس أجمعين.

     

    شرح حديث لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين

    الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم وعلى أله وصحبه وسلم، أما بعد، هذه الترجمة عقدها الإمام البخاري رحمه الله تعالى في كتابه الإيمان من كتاب الصحيح لبيان خصلة عظيمة من خصال الإيمان، وشعبة جليلة من شعب العظام ألا وهي محبة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم محبة صادقة مقدمة على محبة الوالد والولد والناس أجمعين، بل مقدمة على محبة الإنسان لنفسه، كما جاء في صحيح البخاري وسيأتي لاحقا معنا في هذا الكتاب المبارك، أن النبي عليه الصلاة والسلام، قال لعمر بن الخطاب حين قال عمر والله لأنت حبب إلي من كل شئ إلا من نفسي، فقال عليه الصلاة والسلام، لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من نفسه، قال عمر لأنت الآن أحب إلي حتى من نفسي قال الأن ياعمر 

    فمحبة النبي شعبة عظيمة من شعب الإيمان، وخصلة جميلة من خصاله العظام، والمحبة كما هو معلوم مكانها القلب، وهي بين العبد وبين الله سبحانه وتعالى، ليست المحبة في الليان كلام يدعى أو قولا يقال، لأن مجرد القول أمر يسير على كل أحد، ودعوة يسيرة على كل لسان ولا يبرك بذلك، وإنما العبرة بقيام هذه المحبة صادقة في القلب وظهور علامتها وبراهينها على اللسان والجوارح، أما مجرد الدعاوى فلا تجزي شيئاً ولا تنفع صاحبها، ولو كانت الدعوة تنفع لنفعت الذين قالوا نحن أبناء الله وأحباؤه، ” اليهود ” إخوان القردة والخنازير ،فمجرد الدعوى لا تفيد ولا تنفع وإنما الذي ينفع حقا وصدقا قيام هذه المحبة في القلب.

    و ظهور أثارها وعلامتها وبراهين وجودها لتقديم طاعته على طاعة النفس، وإتباع نهجه القويم وصراطه المستقيم صلوات الله وسلامه عليك، فهذا هو البرهان الواضح فالمحبة تعني الموافقة، والإتباع والامتثال هديه صلوات الله وسلامه عليه، أما من يدعي المحبة ولا يتبعه ولا يوافقه بل يركب رأسه ويعمل ما شاء ويفعل ما أراد ولا يهتدي بهديه، ولا يسير وفق نهج الرسول، فهو ليس من المحبين المحبة الصادقة، المحبة الإيمانية لأن المحبة الصادقة المحبة الإيمانية، لا بد من أن تتبع وأن نسير على منهجه القويم وصراطه المستقيم صلوات الله عليه، والإمام البخاري رحمه الله، عقد هذه الترجمة العظيمة باب حب الرسول من الإيمان.

    ليبيين من خلالها أهمية هذه الشعبة العظيمة من شعب الإيمان ومكانتها العالية في دين الله تبارك وتعالى، وقوله من الإيمان أي من الإيمان الواجب، إذ غن محبة النبي صلى الله عليه وسلم محبة مقدمة على محبة النفس والوالد والولد والناس أجمعين، واجبة على كل مسلم ولم لن تكن هذه المحبة في قلبه كذلك فإنه عرض نفسه لسخط الله تبارك وتعالى وعقوبته، وتأمل في هذا قول الله عز وجل [ قل أن كان أباؤكم أو أبنائكم أو إخوانكم أو أزواجكم أو عشيرتكم وأموال اقترفتموها أو تجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربص ] أيا كانت هذه الأشياء وهي 8 جُبلت القلوب على محبتها وجُبلت النفوس على محبتها.

    إذا كانت هذه الأشياء مقدمة محبتها في القلب على محبة الله ومحبة رسوله عليه الصلاة والسلام، فلينتظر عقوبة الله سبحانه وتعالى، لأنه ترك واجبا وفريضة أمرا محتما فمحبة النبي عليه الصلاة والسلام يجب ان تكون مقدمة على محبة النفس، لأنه عليه الصلاة والسلام أولى بنفسك منك واحرص على نفسك منك صلى الله عليه وسلم، قال اله تعالى [ النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ] أي أول بنفسك منك وأحرص على نفسك منك وأولى ان تتبعه من أن تتبع نفسك، وقال تعالى قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ، فإن تولوا فقل حسبي الله لا إله إلا هو عليه توكلت وهو رب العرش العظيم، فمحبة النبي شأنها عظيم ومكانتها عالية في دين الله، والإمام البخاري رحمه الله عقد هذه الترجمة لبيان مكانة محبة النبي عليه الصلاة والسلام ومنزلتها العالية في دين الله جل وعل.

    وأورد تحت هذه الترجمة حديثين عن أبي هريرة وعن أنس رضي الله عنهما وهما بلفظ واحد وفي حديث أنس زيادة أشار إليها المختصر وهي قوله ” والناس أجمعين “.

     

     

    فو الذي نفس محمد بيده

    وهذا قسم يقسم بالله جل وعلى وقوله، الذي نفسي بيده فيه أن نفوس العباد بيد الله يدبر أمرها كيفما يشاء، ويتصرف فيها سبحانه وتعالى كيف أراد وفي الحديث قلوب العباد بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيفما يشاء، فكان أكثر دعاء النبي ” يامقلب القلوب ثبت قلبي على دينك ” فهو يقسم بالله قال والذي نفس محمد بيده، وقوله بيده فيه إثبات اليد صفة لله تليق بجلال الله وكماله وعظمته وقاعدة أهل السنة والجماعة في صفات الله عز وجل أمرها كما جاءت، والإيمان بها كما وردت، دون تعطيل أو تحريف ودون تمثيل، فيقولون لله يد تليق بجلالة الرب وكماله وعظمته سبحانه وتعالى، وليست يده كأيدي المخلوقين تنزه وتقدس عن ذلك، وهو القائل [ وليس كمثله شئ وهو السميع البصير ].

    وكيف يقوم في قلب عاقل تشبيه والله يقول [وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ ۚ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ ]، فلله جل وعل يد تليق بجلالة الرب و كماله وعظمته سبحانه وتعالى، قال والذي نفسي بيده هذا القسم والمقسم عليه هو قوله صلى الله عليه وسلم لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين.

    اقرأ أيضا:

    من تعار من الليل

    كم من جار متعلق بجاره

    أعوذ بوجه الله الكريم

    ترفع للميت بعد موته درجته

     

    لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين

    لا يؤمن أحدكم عرفنا قاعدة في النفي عظيمة الشأن ألا وهي أن الإيمان لا ينفى إلا في حق من ترك واجب أو فعل محرم، لا ينفى الإيمان إلا في ترك واجب مثل هذا الحديث، أو فعل محرم مثل لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، فالإيمان لا ينفى إلا في ترك واجب او في فعل محرم، فمحبة النبي محبة مقدمة على الوالد والولد والناس أجمعين هذا واجب من واجبات الدين، أوجب الله سبحانه وتعالى على العباد أن يكونوا كذلك، ولهذا نفى الإيمان عليه الصلاة والسلام مقسما بالله، قال والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده، وقوله والده يشمل الأم والأب، ووالد وما ولد ” يشمل الأم والأب ” والأم يشملها اللفظ هنا وكذلك الأب.

     

    وكذلك ” وولده ” يشمل الإناث والذكور من الأبناء، كلهم يقال لهم ولد ، قال الله تعالى [ يوصيكم الله في أولادكم للذكر مثل حظ الأنثيين] فالأنثى هي ولد، فقوله وولده أي أولاده الذكور والأنثى

    “والناس أجمعين” وهذا تعميم بعد تخصيص، بعد أن ذكر الوالد والولد لما جبلت القلوب على المحبة الخاصة للوالد والمحبة الخاصة للولد والأمور جبرت عليه نقوص الناس، حتى بهيمة الانعام تحب ولدها، جبلت على ذلك وأيضا الولد يحب أمه جبلت على ذلك، فهذا أمر جبلت عليه النفوس، فتخصيص الوالد والولد بالذكر لما جبلت عليه النفوس، من محبة من الوالد لولده والولد لوالده، فخص أولا الوالد والولد ثم عمم بقوله ” والناس اجمعين “.

    كما أشرت جاء في صحيح البخاري من حديث عمر أي ذكر النفس ان تكون محبة الرسول مقدمة على محبة النفس، ولم يكن كذلك لم يؤمن الإيمان الواجب، حتى تكون المحبة للنبي عليه الصلاة والسلام، مقدمة على النفس والوالد والولد والتجارة والمسكن والعشيرة والناس أجمعين، مقدمة على النفس والنفيس، هذه المحبة التي هي من واجبات الدين وشعب الإيمان العظام، ما حقيقتها ؟!، وما الذي يكون به المرء محققا لهذه المحبة ؟!، إذ إن من السهل على الإنسان أن يقول إني أحب الرسول عليه الصلاة والسلام أكثر من محبتي لنفسي وأكثر من محبتي لولدي، وأكثر من محبتي لوالدي وأكثر من محبتي لتجارتي وأكثر من محبتي للناس أجمعين.

     

     

    هذه الجملة سهلة جدا يستطيع أن يقولها اي حد عشرات المرات، فهل مجرد القول وهل مجرد الدعوة حتى لو صاحبه يمين، يدخل صاحبها في من قامت فيه المحبة القوية للنبي الكريم، هذا القول دعوة والدعاوى إذا لم يكن عليها بيانات أهلها أدعياء إذا لم تقم براهين ودلائل وشواهد على صدق هذه المحبة تبقى دعوة لا يستفيد منها صاحبها، فما العلامة والبرهان والدليل على صدق المحبة؟، جاء بيان ذلك في كتاب الله قال الله تعالى [ قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفرلكم ذنوبكم والله غفور رحيم ]، ولهذا يسمي العلماء رحمهم الله هذه الأية الكريمة كما أشار إلى ذلك أحد المفسرين ” أية المحنة / أية الإمتحان ”

    أي من إدع محبة النبي فليمتحن نفسه في هذه الأية، هل هو من أتباعه هل هو من السالكين سبيلها المنهجين نهج الرسول ؟ أما لا ؟ إن كان متبعاً ومقتضيا بهدي النبي الكريم عليه الصلاة والسلام فهذا برهان على صدق المحبة، وإن كان عاصيًا له غير متبع له، غير سالك لنهجه عليه الصلاة والسلام، فمحبته مجرد دعوى لا تفيده، تعصي الإله وأنت تزعم حبه ؟!، هذا لعمر في القياس شنيعُ، لو كان حبك صادقا لأطعته إن المحب لمن أحب مطيع، المحبة تورث ولا بد الموافقة والإتباع والاهتداء بهدي الرسول الكريم.

    ولهذا نقل بن كثير رحمه الله في كتاب التفسير عن الحسن البصري وهو من علماء التابعين قال زعم قوم وقالوا إن نحب ربنا حباً شديد فأنزل الله [قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم والله غفور رحيم]، ونقل عن بعض السلف أنه قال ليس الشأن أن تحب ولكن الشأن أن تُحب أن يحبك الله، هذا هو الشأن كله، وهل يحب الله سبحانه وتعالى بمجرد دعوى لا حقيقة لها ؟ دعوة يدعوها لا برهان على مصداقيتها محبة الرب جل وعلى تنال بالمحبة الحقيقية التي قامت في قلب العبد فأوردت عملا و اتباعا لهدي النبي الكريم.

    والله لا يحب العبد بمجرد الدعوة التي يدعيها، ولهذا قال ابن كثير رحمه الله في تفسيره لهذه الأية، قال هذه الأية ” حاكمة “، على أن من ادعى محبة النبي عليه الصلاة والسلام دون أن يلتزم النهج النبوي والطريقة المحمدية بأن دعواه كاذبة، الآية حاكمة بان دعواه كاذبة أي ما لم يقم على هذه المحبة الدليل البين على محبته للنبي الكريم،حاصل القول أن محبة النبي عليه الصلاة والسلام، تعني إتباعه والسير على نهجه وتقديم طاعته على طاعة النفس وأوامره على حظوظ النفس، وان يمتثل أمره وأن ينتهي عن ما نهى عنه صلوات الله وسلامه عليه.

    بأن يفعل واجبات الدين ويتجنب المحرمات، وانتبه أيضا لهذا القيد المحبة محبة النبي عليه الصلاة والسلام الواجبة التي يأثم العبد وينتفي عنها الإيمان الواجب لتركها هي المحبة التي تثمر فعل الواجبات وترك المحرمات، أم إذا زادت عن هذا القدر لفعل السنن والنوافل والمستحبات وغير ذلك فهذه درجة أعلى وهي درجة المقربين، وبهذا أيضا يعلم أن المحبة تتفاوت في قلوب العباد قوة وضعف وزيادة ونقص من الناس من يعمر قلبه بالمحبة والإيمان، فيفعل الواجبات ويترك المحرمات وينافس الرغائب والسنن والمستحبات.

     

    لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين

    ومن الناس من يكون في ذلك بدرجة المقتصدين، الذين يفعلون الواجب ويتركون المحرم فإذا نقص الأمر عن هذا الحد تعرض الإنسان للعقوبة واستحق أن ينفى عنه الإيمان الواجب كما في هذا الحديث، حيث يقول الرسول والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من والده وولده والناس أجمعين، هنا في هذا المقام ” مقام المحبة ” من قديم الزمان بعض الناس يكون في قلبه المحبة ولكن لا يوجد عنده بصيرة للدين، عنده محبة ومن الممكن ان تكون قوية ولكن لا يوجد بصيرة له في الدين.

    ولا معرفة له بهدي سيد المرسلين ، وقلبه فيه محبة قوية ويريد أن يظهر هذه المحبة وان يترجم لهذه المحبة فماذا يصنع في قلبه محبة قوية وليس عنده فهم الدين وشرع الله؟!، من هنا ولد أقوام وأقوام في بدع وضلالات لا زمام لها دخلوا في بدع كثيرة جدا، وكل واحد يرتكب بدع لماذا يا فلان قال أن أحب النبي صلى الله عليه وسلم ويحلف بالله ويكون صادق ما فعلت ذلك إلا حبا للنبي، وبدع لا حب لها ولا عد في الليل والنهار والشهور والأعوام والمناسبات، ويكون فعلا صادق يفعله حبا، ولكنه ليس عنده أسس شرعية ولا قواعد دينية ولا أصول تتبع ولا منهج قويم يسلك، فتجده يمارس أمور يفعلها بزعم حبه للنبي صلى الله عليه وسلم

    حتى إت أقوام بلغ بهم هذا الامر إلى أن وصل إلى الشرك، أعظم الظل وأكبر الجرائم، بحيث أنه أعطى النبي عليه الصلاة والسلام من الخصائص من الصفات ما ليس إلا لله وأعطاه أيضا من الحقوق ما ليس إلا لله ما لا يصرف إلا لله وهذا أمر لا يرضاه النبي صلى الله عليه وسلم  نفسه، وفي حياته تكرر عنه أجعلتني لله ندا أجعلتني لله عدلا ويغضب النبي أد الغضب، فهنا ينتبه إلى ان المحبة غير المنظبطة بالشرع تورث بدع لا حد لها، وأيضا في الوقت نفسه تورث تفريقا في فرائض وواجبات، ولهذا بعض الناس يأتي في بعض المواسم المبتدعة ويسهر ليلا على قصائد وعلى أناشيد وعلى رقص وطبل وربما أشياء أخرى يفعلها ليله كله، ويعتبرها مظهرا من مظاهر التعبير عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم تلك الليلة ذاتها ينام عن صلاة الفجر، وصلاة العشاء.

    رغم أنه طول الليل في أمور يمارسها بدعوة المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم ثم ينام عن صلاة الفجر، والفجر فريضة فعلى سبيل المثال النبي صلى الله عليه وسلم أُسري به وعُرج به إلى السماء، فلما نزل من هذا العروج العظيم والمكرمة الكبيرة التي أكرمها الله، نزل بفريضة الصلاة، جميع فرائض الدين نزلت عليه في الأرض، إلا الصلاة وحدها فرضت عليه فوق السماء السابعة، بعض الناس ياتي فيما يسمى ليلة الإسراء والمعراج يحتفل ليلا ويفوت صلاة الفجر.

    رغم أن النبي صلى الله عليه وسلم عرج في السماء ونزل بصلاة الفجر، والصلوات الخمس ويبدأ طول الليل فيما يسمى ليلة الإسراء والمعراج وإحتفالات وطبول وقصائد إلى أخره ولا يصلي الفجر، هل هذا فهم الأمر ووعي الحقيقة وعرف فعلا كيف يعبر عن محبة النبي صلى الله عليه وسلم ، ننظر الصحابة أبي بكر وعمر وعثمان وعلى وغيره من أصحاب النبي، عمرت قلوبهم محبة للنبي صلى الله عليه وسلم محبة صادقة قوية وجميع هذه الاحتفالات لم يفعلها، وهو أمر أو شر وق الله الصحابة منه، وليس خيرا حرمهم منه، وادخر لمن بعده.

    لأن هذه البدع ما وجدت إلا بعد القرن الثامن، زمن الصحابة والتابعين لا يوجد لها ذكر إطلاقا، عندهم طاعة وعبادة وإتباع والاهتداء بهدي النبي الكريم صلى الله عليه وسلم ، ولكن في القرون المتأخرة جاءت مثل هذه الأعمال والأمور المنكرة التي هي عندما يمارسها مظهر من مظاهر التعبير عن محبة النبي الكريم، فمن خلال ذلك نصل إلى نتيجة مهمة ألا وهي ليس للإنسان أن يعبر عن محبته للنبي صلى الله عليه وسلم ، بالطريقة التي يريد أو بما يشاء لا بد أن يكون ترجمة هذه المحبة والتعبير عنها بالاتباع والتقيد بمنهجه فإن لم يفعل رد عمله عليه لأن النبي ، قال من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد.

    اقرأ أيضا:

    من تعار من الليل

    كم من جار متعلق بجاره

    أعوذ بوجه الله الكريم

    ترفع للميت بعد موته درجته

     

    وهنا سنذكر قصة للتعبير عن ماذا نقصد، لأحد الصحابة يوم عيد الأضحى بادر والدافع المحبة ودبح أضحيته قبل الصلاة، لماذا ؟ الدافع المحبة والرغبة في الخير وحب الإحسان دبح الأضحية قبل الصلاة، ما السبب؟ حتى ما ان ينتهي النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة من الصلاة إلا وهي جازة ومهيأة وهذا مبادرة ومسارعة ورغبة في الخير وحبا في النبي صلى الله عليه وسلم  وحبا في الخير، النبي صلى الله عليه وسلم قال له شاتك شاة لحم ” وليست أضحية ” لأن أدى هذا العمل قبل الوقت بقليل فقال له شاتك شاة لحم.

    الأضحية المطلوبة لم تفعلها ولم تؤديها لأنك أديتها قبل الوقت بقليل، قال له ذلك وهو عمل هذا العمل حبا ورغبة وحرصا على الخير ومع ذلك قال له ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، فكيف بأقوام أتوا بأعمال لا أصل لها ولا أساس لها وأخذوا يمارسونها وفي الوقت نفسه أيضا ضيعوا فرائض وواجبات وارتكبوا منهيات ويزعمون أنه بمثل ذلك يعبرون عن محبتهم للنبي الكريم عليه الصلاة والسلام، نحن أيها الاخوة ضعاف ولا ملجأ لنا إلا إلى الله ولهذا نلجأ إليه ونسأله سبحانه وتعالى جل في علاه وقلوبنا في يده أن يرزقنا محبة صادقة لنبينا الكريم.

    نسأله ان يمن علينا بتقبل منه جل وعلا وتكرما منه لا حول لنا ولا قوة إلا به سبحانه وتعالى ان يعمر قلوبنا بمحبة صادقة للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم.

     

     

    وهنا شرح آخر مأخوذ من كلام الشيخ ابراهيم المزروعي وفقه الله:

    مُلقي الحديث : عن أبي هريرة – رضي الله عنه – أن رسول الله (ﷺ) قال : « والذي نفسي بيدهِ لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والدهِ وولده».

    الشارح : أيضًا أبو هريرة – رضي الله عنه – يروي لنا هذا الحديث عن رسول الله (ﷺ) والذي قال « والذي نفسي بيدهِ »، يعني والله وهنا واو القسم والله الذي نفسي بيده سبحانه وتعالى وهذا دليل من الأدلة الكثيرة على ثبوت صفة اليد لله عز وجل، فيجب إثبات صفة اليد لله عز وجل حقيقةً من غير تأويل ولا تكييف ولا تشبيه ولا تعطيل يدٌ حقيقيةٌ تليق به – عز وجل – ليست كأيد المخلوقين لأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى : 11]، فنثبت هذه الصفة { بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ } [المائدة : 64] سبحانه وتعالى كما أخبر عن نفسه بل له يدان سبحانه وتعالى تليقان به – عز وجل – ليست كأيدي المخلوقين لأنه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}، و يقسم (ﷺ) للذي نفسه بيده وهذا يدل على زيادة الأهمية لما سيأتي، والتأكيد لما يأتي بعد القسم، والذي نفسي بيده لا يؤمن أحدكم، لا يؤمن يعني إيمانًا كاملًا محققًا حتى أكون أحب إليه من والده وولده الحديث اللي بعده.

    مُلقي الحديث : عن أنس – رضي الله عنه – الحديث  بعينه وزاد في أخره « والناسِ أجمعينَ ».

    الشارح : « والناسِ أجمعينَ » إذًا هذا الحديث بكامله عند مسلم عند البخاري عن أنس رواية أنس ، تقديم محبته على والده ذكرًا أو أنثى الوالد هنا الأب و الأم، هنا الوالد المقصود به الأم و الأب

    وولده أيضًا الذكر و الأنثى، « حتَّى أكونَ أحبَّ إليه » يعني يحب محمدًا (ﷺ) أكثر من والده وولده والناس أجمعين، لأن محبة النبي من الإيمان محبة النبي  هي فرضٌ على كل مسلم فالله – عز وجل – افترض على العباد محبة النبي (ﷺ) وطاعته وتوقيره والقيام بحقوقه (ﷺ) فقام الصحابة – رضي الله عنهم – والصالحون بأداء هذا الفرض حق قيامه، ويقول ابن القيم – رحمه الله – ” لما كثر المدعون للمحبة، طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى “.

    فتأخر الخلق كلهم وثبت اتباع الحبيب (ﷺ) في أفعاله وأقواله وأخلاقه، هؤلاء هم من يحب الرسول الذين يتبعونه في أفعاله وأقوال وأخلاقه

    محبة رسول الله (ﷺ) هي ركنٌ أصيل لابد من بيانها للناس بيان هذا الركن الأصيل من أركان هذا الدين لتقصيرنا في حقه (ﷺ) وفي محبته لابد من البيان لابد من ذكر ما يقوي هذه المحبة لرسول الله (ﷺ) محبة رسول الله معناها: أن يميل قلب المسلم إلى رسول الله (ﷺ)؛ بحيث يؤثره على كل محبوب من نفسٍ وولد والناس أجمعين هذه المحبة لرسول الله (ﷺ) تربط به وتجعل قلبه وهمه و إرادته متوجهة لتحصيل ما يحبه الله ورسوله من الأقوال و الأفعال الظاهرة والباطنة فمحبة رسول الله (ﷺ) أصل من أصول الإيمان وواجب من الواجبات الشرعية 

    فهذا الحديث من أوضح الأدلة على وجوب محبة النبي (ﷺ) و أن الإيمان لا يُكمل إلا بمحبته (ﷺ) وعند البخاري أيضًا، عن عبد الله بن هشام – رضي الله عنه –  قال : «كُنَّا مع النَّبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وهو آخِذٌ بيَدِ عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَقالَ له عُمَرُ: يا رَسولَ اللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن كُلِّ شَيْءٍ إلَّا مِن نَفْسِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: لَا، والَّذي نَفْسِي بيَدِهِ، حتَّى أكُونَ أحَبَّ إلَيْكَ مِن نَفْسِكَ، فَقالَ له عُمَرُ: فإنَّه الآنَ، واللَّهِ، لَأَنْتَ أحَبُّ إلَيَّ مِن نَفْسِي، فَقالَ النَّبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: الآنَ يا عُمَرُ.» هذا الحديث في صحيح البخاري.

    لمحبة النبي  ثمرات كثيرة على المؤمن منها:

    1- الشعور بحلاوة الإيمان ولذة الطاعة سيأتينا الحديث في الدرس القادم ، الحديث القادم قوله (ﷺ) « ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ : أنْ يكونَ اللهُ و رسولُهُ أحبُّ إليه مِمَّا سِواهُما » فالشعور بحلاوة الإيمان هي ثمرة من ثمرات محبة الرسول

    2- ومن الثمرات مرافقته (ﷺ) في الآخرة فمن أحب محمدًا (ﷺ) كان معه في الجنة  كما في صحيح مسلم عن أنس قال «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: “يا رسول الله متى الساعة”. قال: “وما أعددت للساعة”. قال: “حب الله ورسوله”. قال: “فإنك مع من أحببت”. قال أنس: “فما فرحنا بعد الإسلام فرحاً أشد من قول النبي صلى الله عليه وسلم: “فإنك مع من أحببت”. قال أنس: “فأنا أحب الله ورسوله وأبا بكر وعمر فأرجو أن أكون معهم وإن لم أعمل بأعمالهم».

    مرافقة رسول الله من ثمرات محبته فلابد من تقوية هذه محبة باتباعه وتعلم سُنته والعمل بها ودعوة الناس إلى سُنته

    يقول الحسن البصري – رحمه الله – أنه من أحب قومًا اتبع آثارهم ولن تلحق الأبرار حتى تأخذ بهديهم وتقتدي بسُنتهم، وتأخذ طريقهم، وإن كنت مقصراً في العمل فإن ملاك الأمر أن تكون على استقامة.

    هناك أسباب لزيادة محبة النبي (ﷺ) كيف نقوي هذه المحبة من الأسباب:

    معرفة خصائصه

    معرفة صفاته الخلقية والخُلقية

    فالله – عز وجل – اختاره (ﷺ) و أحبه فحب ما يحبه الله – عز وجل –  من لوازم محبته فمن خصائص النبي وصفاته كمال رأفته ورحمته بهذه الأمة وحرصه على هدايته و إنقاذها وحرصه على هدايتها و إنقاذها من الهلكة يقول عبدالله بن عمرو بن العاص «أنَّ النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ تَلا قَوْلَ اللهِ عزَّ وجلَّ في إبْراهِيمَ: {رَبِّ إنَّهُنَّ أضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فمَن تَبِعَنِي فإنَّه مِنِّي} [إبراهيم: 36] الآيَةَ، وقالَ عِيسَى عليه السَّلامُ: {إنْ تُعَذِّبْهُمْ فإنَّهُمْ عِبادُكَ وإنْ تَغْفِرْ لهمْ فإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [المائدة: 118]، فَرَفَعَ يَدَيْهِ وقالَ: اللَّهُمَّ أُمَّتي أُمَّتِي، وبَكَى، فقالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، ورَبُّكَ أعْلَمُ، فَسَلْهُ ما يُبْكِيكَ؟ فأتاهُ جِبْرِيلُ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ، فَسَأَلَهُ فأخْبَرَهُ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ بما قالَ، وهو أعْلَمُ، فقالَ اللَّهُ: يا جِبْرِيلُ، اذْهَبْ إلى مُحَمَّدٍ، فَقُلْ: إنَّا سَنُرْضِيكَ في أُمَّتِكَ، ولا نَسُوءُكَ» رواه مسلم في صحيحه، فكمال رحمته معرفتها تقوي هذه المحبة له (ﷺ) كذلك تذكره ومعرفة أحواله وسُنته (ﷺ) فإذا أراد المسلم أن يزداد حبًا لرسول الله (ﷺ) فلا بد من معرفته (ﷺ) ومعرفة أخلاقه ومطالعة سيرته (ﷺ) وشمائله و أعماله وسُننه(ﷺ) الوقوف على هديه  الإشتغال بتعلم سُنته (ﷺ) قولًا وعملًا ودعوةً كثرة الصلاة عليه(ﷺ) أيضًا من أسباب زيادة المحبة أيضًا طلب العلم الشرعي التفقه في دين الله تعالى وتعليم الناس ودعوتهم كل ذلك يؤدي زيادة المحبة لرسول الله(ﷺ).

    فما هي علامات محبته؟

    حتى يعرف المسلم هل هو صادق في حبه لرسول الله (ﷺ) فإذا وجدت هذه العلامات فهو صادق في لرسول الله (ﷺ) :

    ١_ العلامة الأولى إمتثال أوامره و إجتناب نواهيه (ﷺ) وهذا هو أقوى شاهد على صدق محبته.

    ٢_ و أن لا تكون هي دعوةٌ كاذبةٌ قال القاضي عياض – رحمه الله – فالصادق في حب النبي  من تظهر علامات ذلك عليه و أولها الإقتداء به و استعمال سُنته (ﷺ) و إتباع أقواله وأفعاله والتأدب بآدابه في عسره ويسره، فأين نحن من تنفيذ أوامره؟ فليراجع كل منا نفسه، كيف أنا مع أوامره (ﷺ) هل اجتنبت كل ما نهى عنه (ﷺ) وهو القائل «ما نَهَيْتُكُمْ عنْه فَاجْتَنِبُوهُ، وَما أَمَرْتُكُمْ به فَافْعَلُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ » إتباع سُنته (ﷺ) و الإنتساب به من علامات محبته (ﷺ) قال الله – عز وجل – {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ } [الأحزاب : 21]، فهو أُسوتنا (ﷺ) في كل أمور حياتنا فأين هذه الأُسوة؟ التحاكم إلى شريعته (ﷺ) في جميع شؤون الحياة قال الله – عز وجل – {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ } [النساء : 65] فأين التحاكم إلى شريعته (ﷺ) أنت وزميلك أنت وزوجتك أنت و أبنائك أنت وجارك؟ أين التحاكم إلى شريعة محمد صلى (ﷺ) الشوقٌ إلى معرفة شريعته بطلب العلم النافع من الكتاب والسُنة، هذا علامة من علامات محبته (ﷺ).

    ٣_ محبة من أحب وعداوة من عادى نصرة سُنته والذب عن شريعته (ﷺ)، قال القاضي عياض ” ومن محبته نصرة سُنته، والذب عن شريعته(ﷺ)”.

    ٤_ الصلاة والسلام عليه عند ذكره من علامات محبته (ﷺ) تعظيمه وتوقيره و الأدب معه (ﷺ) تصديقه وطاعته فمن أخل بذلك لم يعظمه.

     

    والإخلال من أين يأتي؟ والإخلال في توقيره وتعظيمه (ﷺ) من أين يأتي؟

    أولها من الجفاء والتفريط في حقوقه؛ كالطعن في صدقه و أمانته وعدم التأدب مع سُنته وترك الصلاة والسلام عليه حين يذكر والإستهانة بهديه وسُنته وقلة المبالاة بها وعدم مذاكرة سُنته (ﷺ) هذا كله دليل على عدم الجد في تعظيمه (ﷺ) وعدم الصدق في تعظيمه (ﷺ).

    من علامات محبته (ﷺ) النصيحة له، قال (ﷺ) « إن الدينَ النصيحةُ _ إن الدينَ النصيحةُ_ إن الدينَ النصيحةُ. قالوا : لمَن يا رسولَ اللهِ ؟ قال : للهِ ولكتابِه ولرسولِه ولأئمةِ المسلمين وعامَّتِهم»، النصيحة لرسوله (ﷺ) قال الإمام النووي – رحمه الله – أمَّا النصيحة لرسول الله (ﷺ) فتصديقه على الرسالة و الإيمان بجميع ما جاء به طاعته في أمره ونهيه ونصرته ومعاداته إذا تصديقه على الرسالة و الإيمان بجميع ما جاء به وطاعته في أمره ونهيه ونصرته ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه و إحياء طريقته سُنته، وبث دعوته ونشر شريعته والدعوة إليها والتأدب بآدابه ومحبة أهل بيته و أصحابه ونحو ذلك هذا كلام الإمام النووي – رحمه الله – في شرح مسلم لهذا الحديث.

    من مظاهر محبته كثر تذكره وتمني رؤيته (ﷺ) والشوق إلى لقائه كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله (ﷺ) « من أَشَدِّ أُمَّتي حُبًّا لي ناسٌ يكونُونَ بَعْدِي، يَوَدُّ أحدُهُمْ لَوْ يُعْطِي أَهْلهُ ومالهُ بِأنْ يَرَانِيَ »، فمن ظهرت عليه هذه العلامات فهو المحب صادق صحابة النبي (ﷺ) أكثر الناس حبًا له (ﷺ).

    يقول علي بن أبي طالب – رضي الله عنه – عندما سُئل كيف كان حبكم لرسول الله (ﷺ) قال على ” كان والله أحبَّ إلينا من أموالنا وأولادنا وآبائنا وأمهاتنا، ومن الماء البارد على الظمأ ”

    أبو بكر الصديق – رضي الله عنه – كما في صحيح البخاري عن عائشة – رضي الله عنها – قالت «فَبيْنَما نَحْنُ يَوْمًا جُلُوسٌ في بَيْتِ أبِي بَكْرٍ في نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، قالَ قائِلٌ لأبِي بَكْرٍ: هذا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ مُتَقَنِّعًا، في ساعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأْتِينا فيها، فقالَ أبو بَكْرٍ: فِداءٌ له أبِي وأُمِّي، واللَّهِ ما جاءَ به في هذِه السَّاعَةِ إلَّا أمْرٌ، قالَتْ عائشة: فَجاءَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ فاسْتَأْذَنَ، فَأُذِنَ له فَدَخَلَ، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لأبِي بَكْرٍ: أخْرِجْ مَن عِنْدَكَ. فقالَ أبو بَكْرٍ: إنَّما هُمْ أهْلُكَ، بأَبِي أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ ، قالَ: فإنِّي قدْ أُذِنَ لي في الخُرُوجِ فقالَ أبو بَكْرٍ: الصَّحابَةُ بأَبِي أنْتَ يا رَسولَ اللَّهِ» أذِن له بالهجرة (ﷺ) فيقول أريد أن اصحبك يا رسول الله (ﷺ) بأبي أنت يا رسول الله « قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: نَعَمْ».

    قال ابن حجر زاد بن إسحاق في روايته قالت عائشة « فَرَأَيْت أَبَا بَكْر يَبْكِي، وَمَا كُنْت أَحْسَب أَنَّ أَحَدًا يَبْكِي مِنْ الْفَرَح » حب الصحابة لرسول الله (ﷺ) في صحيحه أيضًا سُنن أبي داود أثنا عشر صحابيًا يفدون رسول الله (ﷺ) في غزوة أُحد فيموت الواحد تلو الآخر ويبقى طلحة بن عبيد الله وتقطع أصابعهُ ثم يرد الله المشركين.

    وعن قيس قال «رأيتُ يدَ طلحةَ شَلَّاءَ وَقَى بها رسولَ اللهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يومَ أُحدٍ» وكان أبو بكر إذا ذكر يوم أُحد بكى ثم قال «ذلك يومٌ كان كلُّه لِطلحةَ»

    في الصحيحين قد قال أنس عن يوم أُحد « ويُشْرِفُ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَنْظُرُ إلى القَوْمِ، فيَقولُ أبو طَلْحَةَ: بأَبِي أنْتَ وأُمِّي، لا تُشْرِفْ، يُصِيبُكَ سَهْمٌ مِن سِهَامِ القَوْمِ، نَحْرِي دُونَ نَحْرِكَ»

    هؤلاء النبي (ﷺ) كانوا أشدّ كانوا أشدّ حبًا له (ﷺ) فلا بد أن نتعلم كيف نحبه (ﷺ) ونقوي هذه المحبة فإن محبته (ﷺ) من كمال الإيمان، « لا يؤمنُ أحدُكم حتَّى أكونَ أحبَّ إليه من والدهِ وولدهِ و الناسَ أجمعين ».

    نختم بهذا الحديث، نسأل الله عز وجل أن يقوي فينا إيماننا ومحبة رسوله (ﷺ) ويُحسن لنا ولكم الختام ويحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء و آخر دعوانا أن الحمدلله رب العالمين.

     

    تنبيه حول حديث لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين

    بعض المسلمين ظنوا أن من لوازم محبته ظن بعض المسلمين أن من لوازم محبته الغلو فيه (ﷺ) فأردت أن أُبين ذلك نصيحةً للمسلمين الغلو في رسول الله ليس من محبته.

     

    تعريف الغلو

    الغلو تعريفه: هو مجاوزة حدود الشريعة عملًا و إعتقادًا  هذا تعريف الغلو الذي جاء هذا اللفظ في الكتاب وفي السُنة وفي كلام العرب، فالغلو هو مجاوزة حدود الشريعة عملًا و إعتقادًا

    و الإسلام حرّم الغلو ونهى عنه قال الله تعالى { لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ} قال القرطبي – رحمه الله – في تفسير الآية نهى عن الغلو والغلو التجاوز في الحد، ويعني بذلك فيما ذكره المفسرون غلو اليهود في عيسي حتى قذفوا مريم وغلو النصارى فيه حتى جعلوه ربًا هذا كلام القرطبي – رحمه الله-.

    أتينا بدليل واحد من القرآن ونأتي بدليل أيضًا واحد من السُنة على تحريم الغلو فيقول ابن عباس – رضي الله عنهما – قال لي رسول الله (ﷺ) غداة العقبة وهو على ناقته في حجة الوداع صباح رمي جمرة العقبة الكبرى قال له النبي (ﷺ) « القط لي حصى، فلقطت له سبع حصيات هن حصى الخذف فجعل يقبضهن في كفه (ﷺ) ويقول: أمثال هؤلاء فارموا ثم قال: يا أيها الناس إياكم والغلو في الدين فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» رواه أحمد والنسائي وابن ماجة وهو في صحيح سُنن ابن ماجة الفين و أربعمائة وسبعة وثلاثين، قال العلماء وقوله وإياكم والغلو في الدين عامٌ في جميع أنواع الغلو في الإعتقادات و الأعمال، وقد وردت في الشرع الفاظ متقاربة قريبة من لفظ الغلو مثل التشدد التعمق التنطع التكلف هذه جاءت في الأدلة

    فمثلًا تعظيم الرسول (ﷺ) مشروعٌ واجب على كل مسلم أن يعظم رسول الله إذا كان في حدود بشريته وشريعته، فإذا تجاوزنا بتعظيمه حدود شريعته وبشريته صار غلوًا ممنوعًا محرمًا

     

    أسباب الغلو

    أمَّا أسباب الغلو فيه (ﷺ) فمنها:

    1- الجهل بالدين والجهل بحدود الشريعة

    2-إتباع الهوى

    3- التقليد

    4- الإعتماد على الأحاديث الضعيفة والموضوعة

    ومن مظاهر الغلوِ قديمًا وحديثًا ففي صفات الله تعالى نجد النفات والمؤولة غلوا في تنزيه الله تعالى حتى عطلوه عن صفات الكمال ووصفوه بصفات العدم – عز وجل – هذا من الغلو من هؤلاء، ومن المسلمين من غلا في رسول الله (ﷺ) حيث ادّعوا أنه مخلوق من نور ويعلم الغيب و أنه يتصرف في الأكوان والله تعالى يقول {قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُوحَىٰ إِلَيَّ } فهو بشر لم يخلق من نور الملائكة خلقت من نور، أمَّا البشر خلقوا من طين، وفي قولهم هذا أنه مخلوق من نور فيه تكذيبٌ مخالفة لكلام الله – عز وجل- و أيضًا مخالفة لقوله (ﷺ) عن نفسه قال « إنما أنا بشرٌ، أَنسى كما تنسَون » رواه مسلم و أحمد و غيرهما، وهو القائل (ﷺ) لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله، ومن المسلمين من غلا في الصالحين وادّعوا لهم العصمة واستغاثوا بهم وعبدوهم هذه أمثلة على الغلو في هذه الأُمة، ومن المسلمين من غلا في جانب العبادات العملية، فجعل المكروه بمنزلة الحرام وجعل المُباح محرمًا وجعل المستحب واجبًا هذا كلها من أمثلة على الغلو ومنهم من حرم الزواج على نفسه ومنهم من حرم أكل الطيبات زهدًا وتعبدًا وهذا غلو ومن أراد التوسع في مظاهر الغلو فليرجع إلى كتاب إقتضاء الصراط المستقيم، كذلك كتاب مدارج السالكين لابن القيم، من آثار الغلو في رسول الله (ﷺ) على الإعتقاد والعمل والسلوك أدّى الغلو في رسول الله (ﷺ) إلى الشرك و اعتقاد أن محمدًا شريك مع الله تعالى في الخلق والتدبير والألوهية وكشف الضُر وجلب النفع وعلم الغيب و غيرها هذه من صفات الربوبية التي لا تكون إلا لله – عز وجل – وحده لا شريك له.

    فمن غلوهم اشركوا محمدًا (ﷺ) مع الله في الخلق والتدبير والألوهية، أدّى الغلو فيه (ﷺ) إلى إعتقاد أنه أول الخلق و أن منه خلُق كل شيء وأنه قرأ القرآن قبل جبريل وأنه حيٌ يُرى يقظة وهذه العقائد مخالفة لنصوص الكتاب والسُنة هذه من آثار الغلو، ومن مظاهر الغلو كذلك أيضًا من آثار الغلو فيه (ﷺ) فساد مفهوم محبة الرسول (ﷺ) فصار معنى المحبةِ عند البعض عبادته ودعاءه وأحداث الصلوات عليه وصرف وجوه العبادة إليه وقد أنكر رسول الله (ﷺ) على من قال له ما شاء الله وشئت قال له اجعلتني لله عدلًا ؟ بل ما شاء الله وحده.

    أيضًا من آثار الغلو فيه إبتداع عباداتٍ و أذكار ما أنزل الله بها من سلطان وهو القائل (ﷺ) «مَن أحدَث في أمرِنا ما ليسَ فيهِ فهوَ ردٌّ »، وهو القائل أيضًا « مَن عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ » فهو رد، فلا يجوز الإبتداع في دين الله – عز وجل – و إحداث العبادات والأذكار بزعم محبة رسول الله (ﷺ) هذا من الغلو فيه، ومن غلوهم أيضًا قولهم إنهم يرونه يقظةً ويجتمع به في مجالسهم، فلماذا لم يجتمع بصحابته (ﷺ) لماذا لم يجتمع بأبي بكر وعُمر وعثمان وعلي وابن مسعود ويصلح بين الصحابة حينما اختلفوا ؟ لماذا لم يجتمع بالأئمة أبي حنيفة والشافعي وأحمد بن حنبل والبخاري ومسلم ؟ لماذا لم يجتمع بهم رسول الله (ﷺ) هل أنتم أولىٰ به من هؤلاء ؟ وإذا كان يجتمع بهم فيلزم منه عدم وجوده في قبره في حجرة عائشة بالمدينة والناس يسلمون عليه ليلًا ونهارًا هذا القول أنهم يرونه يقظةً ويجتمع معهم قول فيه تكذيبٌ ومخالفة للنصوص و إجماع الأمة على وفاته (ﷺ).

    من آثار الغلو أيضًا (ﷺ) التوسل به وبجاهه وإدخال الإستعانة به وطلب الحاجات منه بعد موته وتعدى ذلك إلى الأولياء ومن آثار الغلو فيه اعتقاد أن زيارة قبره فرضٌ بل إنها مكملةٌ لمناسك الحج والدخول إلى المسجد النبوي كهيئة المستأذن منه للدخول عليه و إلتزام كيفية معينة عند زيارة قبره مع إظهار الخشوع والخضوع و إستقبال القبر عند الدعاء والتمسح بالحجرة النبوية و اتخاذ قبره عيدًا وبث الشكوى إليه (ﷺ) هذا كله من الغلو لم يرد عليه دليلٌ من الكتاب والسُنة ولا عن الصحابة ولا عن أئِمة الإسلام، فالواجب على المسلمين محبته (ﷺ) اتباع شريعته وسُنته (ﷺ) والمحرم على هذه الأُمة الغلو فيه و الإبتداع في دين الله ومخالفة سُنته.

    نسأل الله أن يرزقنا و إياكم محبة رسوله (ﷺ) هذه لابد منها لأنها مُكملةٌ للدرس السابق، نبدأ الآن بحديث اليوم تفضل.