تخطى إلى المحتوى

شرح حديث حب الأنصار

    شرح حديث حب الأنصار

    وقد أورد الإمام البخاري -رحمه الله- حديث أنس بن مالك عن النبي  -ﷺ‏- “آيه الإيمان حب الانصار “

    والآية أي: العلامة والمراد هنا علامة الإيمان أو البرهان أو الشاهد والدليل على الإيمان

    أي وجود هذا الحب في القلب للأنصار -رضي الله عنهم وأرضاهم- دليل على الإيمان وعلامة عليه وأمارة على وجوده ودلالة على سلامة القلب

    لأن المؤمن الصادق صادق الإيمان، قلبه سليم ، ليس فيه ضغن ولا حقد لنصرة الرسول -ﷺ‏- لهذا قال الله سبحانه وتعالى في سورة الحشر لما ذَكَر المهاجرين بفضلهم ومكانتهم ثم اتبعهم بذكر الأنصار وفضلهم ومكانتهم قال: “وَٱلَّذِينَ جَآءُو مِنۢ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا ٱغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَٰنِنَا ٱلَّذِينَ سَبَقُونَا بِٱلْإِيمَٰنِ وَلَا تَجْعَلْ فِى قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ ءَامَنُواْ رَبَّنَآ إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ.”

    طلبوا أن لا يكون في قلوبهم غلٌ وهو صفاء القلب وعمارة القلب ونقاء القلب بالحب لهؤلاء الأنصار، ثم إذ لم يحب الأنبياء والصحابة الذين هم أتباع الأنبياء من يحب !!

    إذا كان في قلبه غلٌ وحقد وبغضاء وعداوة هذا لا شك دليل على مرض الشخص ورِقَّة دينه إن لم يكن منسلخًا من الدين أصلًا.

     

    حب الأنصار

    والأنصار اشتهر به الأوس والخزرج، وكانت إقامتهم في المدينة وإليها هاجر -ﷺ‏- بعد أن بايعوه على النصرة فأمر بالهجرة إلى المدينة فهاجر من هاجر وبعدهم هاجر النبي -ﷺ‏- وعاش فيها وبقي فيها إلى أن مات ودفن فيها ﷺ‏

    قال تعالى: وَٱلَّذِينَ تَبَوَّءُو ٱلدَّارَ وَٱلْإِيمَٰنَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِى صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّآ أُوتُواْ وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰٓ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِۦ فَأُوْلَٰٓئِكَ هُمُ ٱلْمُفْلِحُون.

    لما جاء المهاجرين إلى المدينة وآخى النبي -ﷺ‏- بين المهاجرين والأنصار، ضرب الأنصار أروع الأمثلة في الأخوة وتحقيقها بأبهى صورة وأجمل حلةٍ فكان الأنصاري يقاسم أخاه المهاجر الذي ترك أهله وماله وتجارته وهاجر بنفسه إلى المدينة فكان الأنصاري يقاسمه في بيته فإذا كان البيت مكون من حجرتين يعطيه حجرة ويكتفي بالأخرى ويقاسمه في ماله، ومن يقرأ أخبار الأنصار ومكارم الأنصار وفضائل الأنصار يعرف أن حبهم قُربة إلى الله عز وجل.

    وعلامة من علامات الإيمان أن يكون العبد محبًا لهم أما إذا كان يبغض الأنصار كذلك بغض المهاجرين فهذا من علامات النفاق، والبغض كما نعلم مكانه القلب فمن كان قلبه فيه بغضٌ للأنصار فهذا علامة على مرض قلبه، أما إذا كان زيادة على ما قام في قلبه من بغض للأنصار أو الصحابة عموما ثم يفضح بذلك ويعلن عنه فهذا إضافة إلى نفاقه ومرض قلبه يجاهر بسوء فعله وشنائع أعماله، وهذا يبين لنا مدى الشناعة العظيمة وخسة الأعمال عند من يتجرأ على مقام الصحابة طعنًا أو سبًا، وهذا ولا شك  أمارة كما أخبر النبي -ﷺ‏- على مرض القلب بالنفاق لأن القلب إذا كان سليمًا من النفاق والمرض لابد أن يكون محبًا للصحابة -رضي الله عنهم وأرضاهم-  لأنهم شرفوا مقامًا عالٍ ومنزلة عالية قال -ﷺ‏- “خَيْرُ النَّاسِ قَرْنِي ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ، ثُمَّ يَجيءُ أَقْوَامٌ تَسْبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِمْ يَمِينَهُ ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ. “

    الصحابة هم خير أمة محمد وأبو بكر الصديق هو خير الناس كلهم بعد الأنبياء في جميع الأمم

    فالشاهد أن هذا الحديث جليل جدًا في بيان مكانة الصحابة وبيان مكانة الأنصار، وفي فضائل الأنصار جاءت أحاديث كثيرة تدل على مكانتهم وفضلهم العظيم.

    والإمام البخاري عقد هذه الترجمة لبيان أن من الإيمان حب الأنصار -رضي الله عنهم وأرضاهم- واستدل على ذلك من الحديث أتبع ذلك بحديث عظيم لبيان مكانة الأنصار ومنزلتهم العالية بعد تلك البيعة المباركة.

    وقد جاء في صحيح مسلم أن النبي -ﷺ‏- قال: “لا يبغض الأنصار رجل يؤمن بالله واليوم الآخر.”

    فالذي يبغض الأنصار والمهاجرين -رضي الله عنهم- ينقص إيمانه.

    وفي هذا المعنى وردت أحاديث كثيرة عن النبي -ﷺ‏- وأيضًا وردت أحاديث كثيرة تفصيلًا في ذكر أشخاص بأسمائهم وأن حبهم من حبه وأن حبهم من الإيمان.

     

     

    قال -رحمه الله تعالى- عن عبادة بن الصامت أن رسول الله ﷺ قال : تعالوا : بايِعوني على أن لا تُشركوا بالله شيئًا، ولا تسرِقوا، ولا تزْنوا، ولا تقتُلوا أولادَكم، ولا تأتوا ببُهتانٍ تفترونه بين أيديكم وأرجُلِكم، ولا تعصوني في معروفٍ، فمن وفَى منكم فأجرُه على اللهِ، ومَن أصاب من ذلك شيئًا فعوقبَ به في الدنيا فهو له كفَّارةٌ، ومَن أصاب من ذلك شيئًا فستره الله، فأمرُه إلى الله، إن شاء عاقبَه، وإن شاء عفا عنه . قال : فبايعته – وفي نسخة فبايعناه – على ذلك .

    أورد -رحمه الله- هذا الحديث, حديث عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- وهو من الأنصار وصله هذا الحديث في الترجمة، والترجمة في “علامة الإيمان حب الأنصار” إن هذا الحديث من جملة الأحاديث المبينة لحب الأنصار.

    وبداية الأنصار وبداية النصرة من البيعة حيث كانت هذه البداية العظيمة لأعمال جليلة ومقامات رفيعة

    كان -ﷺ‏- في المواسم يعرض نفسه على القبائل من ينصرني حتى أبلغ كلام ربي، حتى أكرم الله سبحانه وتعالى نفرًا ستة من الأنفار فأسلموا وآمنوا بالنبي -ﷺ‏- وفي العام المقبل جاءوا إليه هؤلاء الستة ومعهم ستة آخرون وبايعوه البيعة الأولى ثم في العام الذي بعده جاؤوا بعدد أكبر يفوق السبعين وبايعوه مرة أخرى وبعد ذلك أذن النبي -ﷺ‏- بالهجرة إلى المدينة إلى أن هاجر هو -ﷺ‏- بنفسه، فإذا هذا الحديث ساقه لبيان مكانة الأنصار بدءًا من تلك البيعة الذي عاهدوه من النبي -ﷺ‏-في موسم الحج.

    قوله “بايعوني” أهل العلم في هذه البيعة في هذا الحديث هل هي البيعة التي كانت في مكة وهي البيعة الأولى أم أنها كانت بعد ذلك؟

    لأهل العلم في ذلك قولان منهم من يقول أن هذه البيعة كانت قبل الهجرة في مكة ومنهم من يقول إنها كانت بعد ذلك، وجاء في بعض روايات الحديث ما يفيد أنها البيعة التي كانت في مكة قبل الهجرة حيث أنه -ﷺ‏- في البيعة الأولى بايعهم على ذلك ولم يبايعوه على القتال وفي المبايعة الأخرى بايعهم على النصرة والقتال والدفاع عن النبي -ﷺ‏- وعن الدين وعلى إثر تلك البيعة أذن -ﷺ‏- بالهجرة إلى المدينة.

    (مستفاد من كلام الشيخ عبد الرزاق البدر وفقه الله)

    وننصحك بقراءة:

    تطعم الطعام وتقرأ السلام

    المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

    من تعار من الليل

     

    شرح آخر حب الأنصار آية الإيمان وبغض الأنصار آية المنافق

    عن النبي (ﷺ) أنه قال : « حُبُّ الأنصارِ آيةُ الإيمانِ، و بُغضُ الأنصارِ آيةُ المنافقِ ».

    الشارح: جزاك الله خيرًا، فالحديث السابع عشر أيضًا يرويهِ أنسُ بن مالكٍ – رحمه الله – الصحابي الجليل خادم رسول الله (ﷺ) أتت به أُمه – رضي الله عنها – وهو صغير فوهبته للنبي (ﷺ) وجعلته خادمًا لرسول الله (ﷺ) فخدمهُ تسعة سنين أو عشر – رضي الله عنه – وهو من المكثرين في الرواية عن رسول الله ودعا له رسول الله في أكثرِ من مناسبةٍ – رضي الله عنه – يروي لنا هذا الحديث عن رسول الله قال عن النبي (ﷺ) « حُبُّ الأنصارِ آيةُ الإيمانِ ، و بُغضُ الأنصارِ آيةُ المنافقِ »، آيةٌ يعني علامة الإيمان الكامل الآية هي العلامة هنا، فعلامةُ الإيمان الكامل حب الأنصار

    والأنصار هم أنصارُ رسول الله (ﷺ) سمَّاهم هو (ﷺ) في الأنصار وهم الأوس والخزرج وهذا اللقب لقّبهم به رسول الله (ﷺ) فصار هذا اللقب على من عليهم والله – عز وجل – ذكر هذا اللقب في كتابه في أكثر من موضع

    وخصّهم النبي (ﷺ) بهذه المنقبة العظيمة أنه جعل حُبهم من الإيمان علامةً من علامات الإيمان، وجعل بُغضهم علامةً من علامات النفاق، فصار من الواجبات على المؤمن من الفروضِ على كل مؤمن أن يحب الأنصار، ومن المحرمات على المؤمن أن يبغض الأنصار و هذه منقبةٌ عظيمةٌ لهؤلاء الصحابة – رضي الله عنهم – لما فازوا بهِ هذا اللقب دون غيرهم من القبائل من إيواء النبي (ﷺ) ومن معهُ من المهاجرين وغيرهم والقيام بأمرهم ومواساتهم بأنفسهم وأموالهم – رضي الله عنهم – فهم نصروا الله – عز وجل – ونصروا رسوله فكان صنيعهم هذا موجِبًا لمُعاداتِهم جميع الفِرَق الموجودين من عربٍ وعجم في وقتهم، فعاداهُم جميع الفِرَق الموجودة في ذاك الوقت من عربٍ وعجم عادوا الأنصار،

    ولذا جاء التحذيرُ من بُغضهم وجاء الترغيب في حبهم في هذا الحديث حتى جعل ذلك آيةَ الإيمان ذاك الحب علامةً للإيمان، وجعل ذاك البُغض علامةً للنفاق كما قال و آيةُ النفاق و آيةُ النفاق كما هذا

    والنفاق الذي هو إظهارُ الإيمان و إبطان الكفر من علاماته بُغض الأنصار – رضي الله عنهم –

     

    إذا كان من حيث أنهم أنصار رسول الله (ﷺ) لأنه لا يجتمعُ البُغض مع التصديق فأنت صدّقت و أقررتَ بنبوةِ رسول الله (ﷺ) الذي زكى هؤلاء وجعل حبهم من الإيمان وجعل بُغضهم من النفاق، فمن أبغضهم لأنهم أنصار رسول الله (ﷺ)، ففيه علامةٌ من علامات النفاق

     

    كذلك أيضًا جاء في صحيح مسلم عن علي – رضي الله عنه – أن النبي (ﷺ) قال له « إنه لا يُحبُّكَ إلا المؤمنُ ، و لا يُبغِضُك إلا منافقٌ »، فحب عليٍّ – رضي الله عنه – من الإيمان، وكذلك بُغضُه من النفاق وهكذا جعل رسول الله (ﷺ) لصحابته – رضي الله عنهم – هذه المناقب، هذا الحديث أمره واضح وهو في كتاب الإيمان وفيه مسألة وهي أن حب الأنصار علامة من علامات الإيمان وبُغض الأنصار علامة من علامات النفاق، الحديث الذي بعده.