لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
المقدمة:
نلتمس اليوم حديث لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، لنجد في توجيه النبي صلى الله عليه وسلم أن يكون المؤمن حذر وفطن، حتى لا يقع في نفس الخطأ والأذى مرة تلو الأخرى، فنتدارس اليوم معاً هذا الحديث العظيم كما سنذكر هل هو صحيح أم لا
لنقطف في النهاية فوائد الحديث لنتعلم سوياً هذا الدرس النبوي الفريد في التعلم من أمور دنيانا وأخرانا.
متن حديث لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
“حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ الْحَسَنِ الْحَرْبِيِّ، حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ، حَدَّثَنَا زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ»”.
وكثير من الناس يبحث عن هذا الحديث بلفظ من جحرا وهو خطأ إنما الحديث كما نقلناه لكم.
هل حديث لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين صحيح؟
نعم، فخلاصة حكم المحدث أنه حديث صحيح كما حكم عليه الألباني في صحيح الجامع برقم 7779
وأما راوي الحديث هو أبو هريرة رضي الله عنه.
اقرأ: شرح حديث ان فى الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها
حديث الرسول مثل المؤمنين في توادهم
شرح حديث لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
عندما نشرح حديث لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين الصحيح سنجد الحكمة والفطنة التي أراد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلمنا إياها، ليغرس فينا قيمة التعلم من الخطأ.
وهو ما يتضح لنا جلياً من خلال دراسته وفهمه والتي يتخلص فيما يلي:
أولاً: معنى قوله صلى الله عليه وسلم: “لا يلدغ”: حيث المقصود من اللدغ هنا هو العض أو الإصابة من الكائنات الحية التي يتخلف من لدغتها أو عضتها سموم خطيرة قد تودي بحياته، مثال على ذلك الحيات والعقارب.
معنى “من جحر”: وهو الثقب الذي تقوم بحفره الكائنات الحية لتختبئ فيه من أعدائها، أو لتهاجم منه فريستها.
هنا يريد الرسول صلى الله عليه وسلم أن يعلمنا بأن المؤمن يجب أن يتعلم من أخطائه، فسواء كانت تلك الأخطاء ناتجة عن تعامله مع البشر أو ناتجة عن تكراره هو لنفس الخطأ وعدم التعلم منه.
فسواء كان ذلك في أمور الدنيا أو الآخرة، فيجب عليه أن يتدارك أخطائه، فمن حسن إيمان المرء هو محاولته الدائمة في إصلاح نفسه والحرص في تعاملاته والتعلم الدائم من أخطائه ليعدل من نفسه للأفضل، ولهذا جعل الله لنا التوبة والاستغفار حتى نتدارك الخطأ ونعزم على عدم العودة من تكراره مرة أخرى.
هنا تكمن الحكمة الحقيقة من قوله صلى الله عليه وسلم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، حيث يعلمنا أنه ليس من الحكمة ولا الفطنة أن يتأذى الإنسان من نفس المكان مرتين.
فيكفي له أن يكون تعلم أن هذا التصرف أو الفعل مؤذي له من المرة الأولى.
فلن تجد شخصاً عاقلا يضع يده في جحر مليء بالعقارب والحيات وقد سبق له أن وضع يده فيه ولدغ منهم
فبالتأكيد لن يكرر الفعل ويضع يده في الجحر مرة أخرى.
اقرأ أيضا:
شرح ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا فليتقنه
فوائد حديث لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
هناك العديد من الفوائد التي نستشعرها ونتعلم منها في أمور دنيانا وديننا في قوله صلى الله عليه وسلم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، والتي منها ما يلي:
- فيه تحذير من الرسول صلى الله عليه وسلم للمؤمن أن يكون لديه حذر من عدم الانخداع في أمر يقع فيه مرتين، لذلك يجب عليه التيقظ وفهم نفسه ومن حوله جيداً.
- الحرص على عدم تكرار الخطأ في كل أمور الدنيا والآخرة، فلا يكفي أن تكون حريص في التعلم من أمور دنياك وتعاملاتك الدنيوية، وتتغافل عن التعلم من ذنوبك والزلات التي تقع بها والعكس صحيح، فيجب أن تتعلم من أخطائك التي تقع بها سواء كان ذلك في شئون حياتك الدنيوية أو في أمور دينك.
- كثيراً ما نقع في التعامل مع أشخاص مؤذية لنا، فقد تأذينا في مشاعرنا أو علاقتنا بالبشر أو في تعاملاتنا المادية، وربما تأذينا في كونهم رفقاء سوء فنقع معهم في معاصي تغضب الله عز وجل، هنا يجب أن نبتعد عنهم لأننا قد تأذينا منهم وهذا مغزى قوله صلى الله عليه وسلم لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين، لو وضعنا معناه في المعاملات مع البشر.
- يجب أن يكون المسلم يقظ وفطن لمكائد وساوس الشيطان الرجيم له، لكونه عدوه الأول والأكثر حقداً عليه، وذلك لقوله تعالى فيه:” ﴿(يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَرَوْنَهُم﴾)، (الأعراف:27)”، كذلك قوله صلى الله عليه وسلم في حديث صفة بنت حُيَيٍّ (بأن الشيطان يجري من ابن أدم مجرى الدم…)، فما سلم من كيده وحقده على البشر أحد، حتى أن الرسل والأنبياء يسعى لكي ينال منهم، لهذا لا تنخدع في كيده ولا سيما أن تكون قد وقعت في مَكْره مرة سابقة في نفس الأمر.
- يجب أن تأخذ حذرك من نفسك، وأن لا تقع فريسة لأهوائك وغرائزك لتقع في المعاصي مرة تلو الأخرى حتى تعتادها، ثم تجدها فيما بعد من المباحات لتمسك نفسك بها، لهذا إياك أن تقع في معصية وتكرر وقوعك فيها، حتى لا تلدغ من سمومها وينالك الأذى منها في الدارين الدنيا والآخرة.
استفد من هذه الأحاديث:
شرح حديث سددوا وقاربوا واغدوا وروحوا
شرح حديث خيركم من تعلم القرآن وعلمه
شرح حديث لو أحسنت إلى إحداهن الدهر
في النهاية لا يوجد أفضل من أن ننهي به كلامنا اليوم عن شرح حديث لا يلدغ مؤمن من جحر مرتين من قول الله تعالى (يا أيها الذين آمنوا خذوا حذركم)، فيجب أن نحذر من تكرار الخطأ والتعلم طيلة الوقت مما يؤذيك وأن تبتعد عنه لتنجو في الدنيا والآخرة.