شرح حديث يوشك ان يكون خير مال الرجل
مُلقي الحديث : بسم الله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين قال الإمام الزبيدي – رحمه الله تعالى – في مختصره على صحيح البخاري في كتاب الإيمان.
عن أبي سعيد الخدري – رضي الله عنه – أنه قال : « قال (ﷺ) يُوشِكُ أنْ يَكونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بهَا شَعَفَ الجِبَالِ ومَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ».
الشارح : أحسنت، أبو سعيدٍ الخدري – رضي الله عنه – هو سعد بن مالك بن سنان الأنصاري، الخدري نسبة إلى خدرة جده الأعلى تسمهُ خدرة فنسب إليه الخدري – رضي الله عنه – من رواة الحديث ومن المكثرين
قال « قال (ﷺ) يُوشِكُ أنْ يَكونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ » يوشك أي يقربُ أن يصير خير مال المسلم خير مال المؤمن
ما معنى شعف الجبال
« غَنَمٌ يَتْبَعُ بهَا شَعَفَ الجِبَالِ» رؤوس الجبال شعف جمع شعفة وهو رأس الجبل شعف الجبال رؤوس الجبال يرعى غنمًا في رؤوس الجبال.
ما معنى مواقع القطر
« ومَوَاقِعَ القَطْرِ » مواضع نزول المطر ومواقع القطر
« يَفِرُّ بدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ» يهرب بإيمانه من الفتن، لا شك أن الفتن أخبر عنها رسول الله (ﷺ) أنها من علامات الساعة تكثر الفتن، فيأتي زمانٌ في بعض البلاد لا يستطيعُ المسلم أن يُحافظ على دينه لا يستطيع أن يقيم دينه فيفر من الفتن يفر بدينه و إيمانهِ ليعبد ربه بعيدًا عن الفتن.
وهذا الحديث فيه من نبواته (ﷺ) أنه سيأتي ذاك الوقت يوشك يقربُ أن يصير خير مال المسلم غنمه، يرعى غنمًا بين الجبال وبين الأودية يفرُ بدينه هكذا قال (ﷺ) يفر بدينه؛ أي يهربوا بسبب دينه أو يهرب مع دينه ليحافظ على دينه طلبًا لسلامةَ دينهِ لا لقصد دنيوي لم يهرب لقصد دنيوي، و إنما هربَ طالبًا السلامة لدينهِ.
حكم العزلة
فالعُزلة عند الفتنة ممدوحة لكن بضوابط شرعية سنذكرها فالعزلةُ، فالعُزلة من عند الفتنة ممدوحة بدليل هذا الحديث إلا لشخصٍ قادر على إزالة الفتنة فتجب عليه الخلطة عينًا أو كفايةً بحسب الحال و الإمكان.
قال شارح هذا الكتاب شارح مختصر البخاري صدّيق حسن خان في شرحه ” و أُختلف في العزلة عند عدم الفتنة ” إذًا عند الفتنة و عندما لا يستطيع المسلم أن يُحافظ على دينه في أي مكان في أي قرية أو مدينة لا يستطيع أن يقيم دينه، فيجب عليه أن يعتزل ويفر بدينه من الفتن
قال أُختلف في العزلةِ عند عدم الفتن لا توجد فتنة في هذه البلد أو في هذه القرية هل يعتزل أم لا؟
أُختلف فمذهب الشافعي تفضيل الصُحبة يعني مخالطة الناس لتعلمهِ وتعليمهِ وعبادتهِ و أدبهِ وتحسين خُلقهِ وتحسين خلقهِ بحلمٍ و احتمالٍ وتواضعٍ ومعرفةِ أحكامٍ لازمةٍ وتكثيرِ سواد المسلمين، وعيادة مريضهم وتشييع جنازاتهم وحضور الجمعة والجماعات مصالح كثيرة ذكرها أصحاب هذا المذهب الذين يقولون بأنه الأفضل الاختلاط مع الناس وعدم اعتزال الناس عند عدم الفتنة
قال واختار آخرون العزلة للسلامة المحققة وليعمل بما علم ويأنسَ بدوام ذكر الله – عز وجل – ثم قال هو الآن شارح المختصر قلت والحق أن الصحبةَ والعزلةَ تتفاوتان بحسب الأشخاص و الأحوال فمنهم تصلح له الصُحبة مخالطة الناس ومنهم من تنبغي له العزلة {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا } [البقرة : 148]. انتهى كلامه من شرحهِ لهذا الكتاب
شرح حديث يوشك ان يكون خير مال الرجل
فهذا الحديث فيه حثٌ على الاعتزال قال: « يُوشِكُ أنْ يَكونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بهَا شَعَفَ الجِبَالِ ومَوَاقِعَ القَطْرِ، يَفِرُّ بدِينِهِ مِنَ الفِتَنِ» يفر بدينه من الفتن عند اشتداد الفتن عند عدم استطاعتهِ أن يُحافظ على دينهِ فيجب عليهِ أن يفر فالخلطة والعزلة تكلم فيها أهل العلم وصُنفت فيها المصنفات
والإمام الخطابي – رحمه الله – الإمام المعروف له كتابٌ اسمهُ العزلة تكلم فيه عن ضوابط العزلة وفوائد العزلة ومتى يكون الاختلاط ومتى تكون العزلة، فلابد من التفصيل في هذه المسألة، لأن من الناس من يُخطئ الفهم ويخالف الأدلة بسبب عدم فقهِ هذه المسألة، لا شك أن المسلم يعنيه شأن الإسلام، فإذا عناهُ شأن الإسلام مطالبٌ بمواجهة الغربة التي يعيشها حسب المكان الذي يعيش فيه فمطالبٌ بمواجهة الغُربة والصبر والتمسك بدينه والثبات على دينه بالوسائل المشروعة مثل الصبر، الثبات، الأمر المعروف والنهي عن المنكر، فإذا لم يستطع مواجهة الغربة الشديدة بالأسلوب الشرعي الصحيح فعليه أن يتعلم منها من هذه النصوص الشرعية ومن كلام أهل العلم يتعلم علمًا يضمن نجاته وسلامته ومحافظته على نفسه ودينه وهذا الأسلوب هو العزلة من هذا الحديث ومن غيره جاء فضلُ العزلة ولا يُفهم من هذا أن الغريب في تمسكه بدينه عندما تشتد غربة الإسلام التي اخبرنا عنها رسول الله (ﷺ) في حديثه المعروف والمشهور « بدأ الإسلامُ غريبًا وسيعودُ غريبًا كما بدأ فطُوبِى للغرباءِ » هذا الغريب حكمه العزلة و الانطواء وترك أمر الناس للناس على الإطلاق إنما المقصود بيانه أن من الغرباء مجاهدين ودعاةِ العاملين وعلماء مخلصين وآمرين بالمعروف وناهين عن المنكر، فمفهوم العزلة في النصوص تحمل على بعض الأفراد الذين تكون العزلة في حقهم أولى، لأن مخالطتهم للناس تضر بدينهِ أو بدينهم ودنياهم وتضر بغيرهم أيضًا بعض الأشخاص لابد أن يعتزل، لأنه لا يستطيع أن يحافظ على دينه لا يستطيع مقاومة الفتن والشهوات قد يرتد عن دينه إذا استمر في مكانه الذي تكثر فيه الفتن فبقاؤه يضر بدينه.
كذلك تُحمل هذه النصوص أن يكون هذا الاعتزال خاصًا في فساد الزمان عنده فساد الزمان وعنده الفتن الذي لا يستطيع أن يعمل بدينه وقد وردت نصوص تمدح العزلة وجاءت نصوص تمدح الخلطة الاختلاط بالناس ولابد من التوفيق بينهما المسلم يقرأ في كتب السُنة أحاديث تمدح العزلة مثل هذا الحديث الذي معنا يفر بدينه يعني يعتزل الناس بسبب الفتن و أحاديث غيرها سنذكر ثلاثة أحاديث فقط لكن لابد للمسلم أن يفقه هذه المسألة حتى لا يضيع حقوقًا واجبة عليه بسبب سوء فهمه وعدم علمه بهذه المسألة ووردت نصوص أحاديث صحيحة في الصحيحين وفي غيرهما تمدح العُزلة وجاءت أيضًا نصوص أُخرى تمدح الخُلطة ولابد من التوفيق.
شرح حديث يوشك ان يكون خير مال الرجل
معنى العزلة
فما معنى العزلة؟ هي الاعتزال تجنب الشيء بالبدن أو بالقلب أو بالبدن والقلب، قال تعالى { فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ } [البقرة : 222] اعتزلوهن بالأبدان فلا يقرب زوجته في المحيض اعتزلوا ثم قال الله – عز وجل – {وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ } [مريم : 48] يعتزل الأصنام التي يعبدها الناس ببدنهِ وبقلبه فالعزلة هي الاعتزال تجنب الشيء بالبدن أنا اعتزلت هذا الشيء يعني تجنبته ببدني ابتعدت عنه، أمَّا الخُلطة فهي المداخلة بالبدن.
الأحاديث في مدح العزلة
في الصحيحين، من حديث أبي سعيد الخدري قال « قِيلَ: يا رَسولَ اللَّهِ أيُّ النَّاسِ أفْضَلُ؟ فَقَالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مُؤْمِنٌ يُجَاهِدُ في سَبيلِ اللَّهِ بنَفْسِهِ ومَالِهِ، قالوا: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ في شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ يَتَّقِي اللَّهَ، ويَدَعُ النَّاسَ مِن شَرِّهِ »، يعتزل الناس ويهرب إلى وادٍ من الأودية أو جبلٍ من الجبال فيتفرغ لعبادة الله – عز وجل – من أفضل الناس بعد المجاهد في سبيل الله مؤمن في شعب من الشعاب يتقي الله ويدع الناس من شره.
هذا حديث في الصحيحين يمدح العزلة كذلك في صحيح مسلم أيضًا من حديث أبي هريرة – رضي الله عنه – عن رسول الله (ﷺ) « أنه قالَ: “مِن خَيرِ مَعَاشِ النّاسِ لهم رَجُلٌ مُمْسِكٌ عِنَانَ فَرسِهِ في سبيلِ اللهِ، يَطيرُ على مَتنِهِ كُلَّما سَمِعَ هَيْعَةً أو فَزعَةً، طَارَ عَليه يَبْتَغِي القَتْلَ، أو المَوتَ مَظانَّه» هذا الأول، أو « رَجلٌ في غُنَيمَةٍ في رأسِ شَعفَةٍ من هذه الشَّعَفِ، أو بطنِ وادٍ من هذه الأوديةِ، يُقيمُ الصلاةَ، ويُؤتِي الزكاةَ، ويَعبدُ ربَّهُ حتى يَأتِيَه اليقينُ، ليسَ من النَّاسِ إلا في خيرٍ » يعني هو بعيد عن الناس، الناس منه في خير لا يؤذيهم لا يغتابهم لا يشتمهم هذا الحديث أيضًا فيه فضل من خير معاش الناس لهم ذكر المجاهد في سبيل الله، ثم ذكر الرجل في غنيمة يرعى غنيمات في رأس شعفة من هذه الشعف رأس جبل من الجبال أو بطن وادٍ من هذه الأودية اعتزل يعتزل الناس هو من خير معاش الناس هذا حديث في صحيحه الإمام مسلم أيضًا فيه بيان فضل العزلة ومعنى الحديث الذي يقرأه أخوكم « يُوشِكُ أنْ يَكونَ خَيْرَ مَالِ المُسْلِمِ غَنَمٌ » إلى آخر الحديث المتفق عليه هذا الحديث.
فهذه ثلاث أحاديث فيها مدح العزلة هناك أحاديث أيضًا فيها مدح الخلطة اختلاط بالناس ، حديث ابن عُمر – رضي الله عنهما – قال قال رسول الله (ﷺ) « المسلِمُ إذا كانَ مخالطًا النَّاسَ ويصبِرُ على أذاهم خيرٌ منَ المسلمِ الَّذي لا يخالطُ النَّاسَ ولا يصبرُ على أذاهم » أيضًا هذا في بيان فضل مخالطة الناس رواه الترمذي و أحمد والبخاري في الأدب المفرد.
وانظر في شرح: المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف
حديث آخر حديث أبي موسى الأشعري أن النبي (ﷺ) قال « إِنِّما مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ، وجَلِيسِ السُّوءِ، كَحامِلِ المِسْكِ، ونافِخِ الكِيرِ، فَحامِلُ المِسْكِ، إِمَّا أنْ يَحْذِيَكَ، وإِمَّا أنْ تَبْتَاعَ مِنْهُ، وإِمَّا أنْ تَجِدَ مِنْهُ رِيحًا طَيِّبَةً» إلى آخر الحديث المتفق عليه فيبين فضل مخالطة الناس إذا عندك العلم وعندك الخُلق خُلق الإسلام وعندك دعوة إلى الله – عز وجل – ونشر العلم الشرعي ونشر السُنة بين الناس لا شك هي أيضًا فيه فضلٌ متعدي إلى غيرك تُضَاعف لك الأجور فمخالطتهم ونشر العلم بينهم فيه فضل عظيم هذا الحديث يُبين أيضًا فضل ومدح أيضًا الخُلطة بالناس.
شرح حديث يوشك ان يكون خير مال الرجل
فما هو الجمع بين مدح العُزلة وأحاديث مدح الخلطة هذا الموضوع من أهم المواضيع التي يجب على المسلم أن يعتني بها، لأنه مسألة الثبات على الدين ومسألة القيام قيام المسلم بأمر دينه بالواجبات الشرعية و التمسك بسُنة النبي (ﷺ) أمر مهم، فمتى تكون العزلة ومتى يختلط بالناس؟
أمَّا أحاديث مدح العزلة التي هي ثلاثة أحاديث ومنها حديث الكتاب درس اليوم فتُحمل على أحد وجهين:
الوجه الأول: هذه أحاديث مدح العزلة أن يكون هذا في حق أفرادٍ لا يستطيعون الجهاد ولا الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر ولو خالطوا الناس لتضرروا بالمخالطة واضروا بغيرهم وذلك كمن يرى المنكرات فإذا رآها تأثر وتعكر مزاجه وتكدرت حياته فلم يهنأ بعيش ولا بعبادة، يوجد من الناس من هو عنده هذا الشعور يصل عنده الحد على الغيرة على الدين و كراهية المنكرات أنه لا يستطيع أن يتحمل يتضرر بالمخالطة لو خالط الناس لا يستطيع أن يأمر بالمعروف ولا أن ينهى عن المنكر ولا يستطيع أن يفعل شيء و إذا رأى المنكر تأثر وتعكر مزاجه تنكدت حياته وتكدرت فلم يهنأ بعيش ولا عبادة فيه من وصل إلى هذا الشعور هذا الشخص تنطبق عليه أحاديث العزلة
وكمن يعرف من نفسه الضعف والنيل إلى الفواحش لا يستطيع أن يقاوم المنكرات يقع فيها بسهولة نفسه ضعيفة لا يستطيع أن يقاوم الفواحش فإذا جاورها اقترب من هذه الفواحش وخالطها وخالط أهلها استروح إليها فمثل هؤلاء قد تُشرع في حقهم العزلة بعد سؤال أهل العلم يرجع إلى أهل العلم ويذكر حاله فهم يفتونه هذا الذي ذكرته لكم من أراد هذه المعاني والتوسع في هذه المسألة فقط بالذات يرجع إلى فتح الباري شرح صحيح البخاري لابن حجر مجلد الحادي عشر ثلاثمائة واثنين وثلاثين يجد هناك تفصيلات كذلك شرح الإمام النووي – رحمه الله – في صحيح مسلم المجلد الثالث عشر صفحة أربعة وثلاثين هذا اللي ذكرته لكم اختصارًا من كلام هذين الحافظين النووي و ابن حجر.
إذًا أحاديثُ العُزلة التي مرت معنا تُحمل على وجهين هذا الوجه الأول أنها تكون في حق بعض الأفراد لا يستطيع أن يأمر المعروف ولا ينهى عن المنكر ولو خالط الناس بوجود المنكرات والفتن لتضرر هو أو الناس بالمخالطة و أضر هذا الشخص بغيره يُحدث فتنة في المجتمع أو في أسرته أو من يرى المنكرات و إذا رآها تأثر وتعكر مزاجه وهو ينضبط بالضوابط الشرعية لا يخرج عن فقه الأمر المعروف والنهي عن المنكر لا يُحدث فاسد إذا تكلم أو غضب إذا رأى المنكر إذا رآه تكدرت حياته وتأثر تعكر مزاجه و لم يهنأ بعيش و لم يهنأ بعبادة لا بصلاة ولا بذكر ولا بقراءة قرآن يتضايق طوال حياته بسبب عدم استطاعته لإنكار ولا مخالطة المنكرات و أهل المنكرات يعرف من حاله الضعف سيقع في الفاحشة لا محالة إذا جاورها أو خالط أهلها استروح و ضعف دينه فمثل هذا تُشرع في حقه العُزلة هذا هو الوجه الأول.
الوجه الثاني: أن يكون هذا الاعتزال خاصًا في زمان الفتن بعض البلاد لا يستطيع الإنسان أن يُقيم دينه لا توجد صلاة جمعة ولا صلاة جماعة ولا يستطيع أن يخالط الناس بسبب شدة الفتن والقتال على الدنيا فلا يستطيع، فالأحاديث هذه أيضًا تعنيه تعني هذا الشخص في زمان الفتن التي أخبر عنها النبي (ﷺ)
أمَّا في الأحوال العادية التي ليس فيها فتنة، فالأصل فيها أن المسلم يخالط الناس ويصبر على أذاهم ويوصل إليهم النفع الديني والدنيوي وهذا مذهب جماعة من السلف والخلف والعلماء هذا الوجه الثاني.
إذًا عرفنا الآن أحاديث الفتنة تُحمل على هذين الوجهين شخص لا يستطيع أو في زمن الفتنة في قرية أو بلد أو مدينة من المدن توجد فيها الفتن الشديدة فتنة عامة لا يستطيع أن يثبت على دينه ولا يستطيع أن يُقيم دينه في هذا الزمن كل واحد ليس فردًا واحدًا، أمَّا الأصل فالمسلم يخالط الناس ويصبر على أذاهم ويخدم مجتمعه ووطنه ويقوم بواجباته الشرعية الدينية والدنيوية ويقوم بواجبه وبعمله على أكمل وجه عند عدم وجود الفتن لا شك أن هذا أفضل.
هُناك نوع آخر من العزلة: ذكره الخطابي – رحمه الله – في كتابه العزلة هذه مسائل مهمة جدًا و أنا أركز عليها و أنقُل لكم كلام أهل العلم، لأن كلما قوي إيمانك و استقرَ في قلبك فلابد أن تتأثر فمتى تعتزل ما هي أنواع العُزلة؟ التي جاء من كلام أهل العلم في فهمهم لهذه النصوص و الأحاديث الكثيرة في العزلة.
قال الخطابي – رحمه الله – ” ولسنا نريد بهذه العزلة التي نختارها مفارقة الناس في الجماعات والجُمعات وترك حقوقهم في العبادات وصنائع السُنن والعادات المستحسنة فيما بينهم إنما نريد بالعُزلة ترك فضول الصحبة ونبذ الزيادة منها “، في كتابه العزلة صفحة ستة، إذًا في نوع آخر من العُزلة الإنسان يعتزل الرفقة السيئة التي تؤثر عليه وعلى دينه ويصاحب الرفقة الصالحة يعتزل مكان الفتنة إذا وجد مكان من الأماكن يعتزل هذا المكان فقط لا يزيد في الخلطة التي تضره وهذا أمره هين في أكثر بلاد المسلمين، ممكن الإنسان يعتزل الرفقة السيئة شخص لا يفيدك ولا تستفيد منه بل يضرك إذا جالسته من أهل الشبهات أو أهل الشهوات يا أخي اعتزلوا لا يجبرك أحد على مصاحبته و الاختلاط به ولو كان قريبًا من أقاربك لا تقاطع سلم لكن لا تصاحبه إذا كنت تتضرر من مصاحبته اعتزلوا اعتزل مصاحبتهُ فقط، هذا نوع آخر ذكره الإمام الخطابي.
وقال ابن حجر – رحمه الله – أيضًا وقال غير النووي – رحمه الله – ” يختلف باختلاف الأشخاص فمن يتحتم عليه المخالطة من كانت له قدرة على إزالة المنكر فيجب عليه مخالطة الناس في كلامه في شرحه لمثل هذه الأحاديث” في فتح الباري مجلد الثالث عشر ثلاثة و أربعين، و هناك نوع آخر من العزلة أيضًا هي أدقّ مما سبق نحتاجها جميعًا هي العزلة الجُزئية حيث يخلو المرء بنفسه بقصد التعبد أو التزود من العلم يخلو في بيته في مكتبته في غرفته يتعبد الله – عز وجل – هذه عُزلة يتزود من العلم أو محاسبة النفس أو نحو ذلك من الأغراض والمقاصد التي يُربي نفسه، وقد ورد عن السلف الصالح أقوالٌ كثيرة ذكرها الإمام الخطابي – رحمه الله – في كتابه من هذه الأقوال قول عُمر – رضي الله عنه – ” خذوا بحظكم من العُزلة ” من اعتزال الناس يعتزل الإنسان في بيته أو في المسجد بين الصلاتين يراجع ويحاسب نفسه ويتعبد الله – عز وجل – ويقرأ القرآن يتزود من العلم في مكتبته في غرفته هذه عُزلة بالساعات ما يضر “خذوا بحظكم من العُزلة” لأن الإنسان يحتاج إلى الاعتزال، لأن المخالطة إذا زادت عن حدها تؤثر وخاصة لا نقول أهل المعاصي والشبهات و أهل البدع لا حتى مخالطة أهل الدنيا دائمًا يتكلمون في كذا في البيوت وفي السيارات وفي كذا وفي كذا فالمؤمن القوي الإيمان لا يتحمل مثل هذي تؤثر عليه تضعف إيمانه فيعتزل مثل هذه المجالس لا يكثر منها لا يزيد في الاختلاط، لأن فيه مضرة على دينه وعلى إيمانه وهو أعلم بنفسه
قول مسروق – رحمه الله – ” إن المرء لحقيقٌ أن يكون له مجالس يخلو فيها فيذكر ذنوبه فيستغفر منها “
هذه عُزلة نوع من أنواع العزلة نحتاجها جميعًا ليقوى إيمانُنا ونؤوب إلى ربنا ونتوب إليه، ويقول أبو سليمان الخطابي صاحب كتاب العُزلة ” وفي العزلةِ أنها معينة لمن أراد نظرًا في علم أو استنباطًا لحكمة ” ولا شك أن طالب العلم يحتاج إلى مثل هذه العُزلة في مكتبته يبحث ويقرأ كلام أهل العلم ويُخرّج الأحاديث ويقرأ في سيرة النبي (ﷺ) وسير السلف الصالح من الأئمة يزداد علمًا و أدبًا وفقهًا ثم يبحث في المسائل العزلة، يحتاجها كل طالب علم يبحث في المسائل ويحرر وينظر في المسائل خلافه ويرجح بحسب ما أعطاه الله – عز وجل – ووهبه من نعمة العلم ومن الإدراك والفهم هذه عُزلة نحتاجها.
أيضًا نوع آخر من العزلة هي العزلة القلبية: وهذه كل واحد يستطيعها قلبه يعتزل مكان الفتنة أو مكان المعصية ولو خالط الناس وعاشرهم ببدنه هو موجود بينهم موجود معهم في المجلس لكنه اعتزلهم بقلبه فإنه مزايلٌ لهم بعلمه و إيمانه وقلبه مفارق معهم عليه من التعلق بالدنيا هم يتكلمون في نفس المجلس وهو جالس يتكلمون في الدنيا وفي السيارات وفي البيوت وفي غيرها وهو يذكر الله – عز وجل – ويستغفر الله – عز وجل – ويتذكر نعمة الله – عز وجل – عليه من العلم والتقوى وعدم الانشغال في الدنيا، شوف مُفارقٌ بقلبه ما هم عليه في نفس المجلس من التعلق بالدنيا أو اتباع الهوى مخالطٌ الناس لهدايتهم اذا تكلم ينصح ويُبين الدين بالأدلة ويُبين السُنة للناس، ويبين لهم أيضًا بدعة حتى يحذروها يُعلم يأمر بالمعروف ينشر السُنة بينهم ويبينها للناس وهو بينهم وهم يتكلمون في الدنيا، لكنه اعتزلهم بقلبه اعتزل كلامهم في الدنيا، وبذلك يجمع بين الخُلطة والعُزلة الخُلطة بجسده والعُزلةُ بقلبه ومشاعره وعمله
وقد روى ابن أبي شيبة – رحمه الله – في مصنفه بإسنادٍ صحيح عن أبي مسعود – رضي الله عنه – قال ” خَالِطُوا النَّاسَ وَزَايِلُوهُمْ وَصَافِحُوهُمْ وَدِينُكُمْ لَا تَكْلِمُونَهُ “ دينكم لا تجرحونه تمسك بدينك وبإيمانك ولو كنت بين الناس زايلوهم يعني بالقلوب صافحهم و اجلس وخالط و انصح الناس وقم بواجبك في إنقاذ من استطعت بفضل الله – عز وجل – من استطعت من الناس من إنقاذهم من الشهوات أو من الشبهات، من إنقاذهم من البدعة إلى السُنة، من إنقاذهم من الشهوات ومن المعاصي إلى الاستقامة على دين الله – عز وجل – وهناك عزلةٌ عامةٌ عند فساد الزمان عند الاقتتال بين المسلمين لأغراض الدنيا، هذه فتنة عامةٌ وهي واجبة للأمر بالفرارِ من الفتن في كثير من النصوص.
هذه مسائل لعلها أوضحت لنا كيف نعمل بهذه الأحاديث، أحاديث تحثُ على العزلة و أحاديثُ أيضًا تحثُ على الاختلاط، فلعل ما ذكرناه فيه فائدة الحديث الذي بعده.
هذا خلاصة ما تكلمنا به في شرح حديث يوشك ان يكون خير مال الرجل