شرح حديث من اتبع جنازة
عن أبي هريرة-رضي اللّٰه عنه- أن النبي -ﷺ- :” مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، وكانَ معهُ حتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا ويَفْرُغَ مِن دَفْنِهَا، فإنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأجْرِ بقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، ومَن صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أنْ تُدْفَنَ، فإنَّه يَرْجِعُ بقِيرَاطٍ.”
ثم عقد -رحمه اللّٰه تعالىٰ-هذه الترجمة، باب (اتباع الجنائز من الإيمان) أي من خِصال الإيمان، وجاء عن النبي -ﷺ- أحاديث في اتباع الجنازة، وأنه حق من حقوق المسلم على إخوانه، وأنه إذا كانوا يتبعون جنازته فاتِّباع الجنازة من الإيمان؛ لِما في ذلك من فائدة عظيمة وأثر مبارك للميت المحمول الذي يُصلَّى عليه ويُدفن، حيث أن هؤلاء يشيعونه ويدعون له ويأنس بهم و يسمع قرع نعالهم.
وأيضًا ينتفع المشيِّع المتَّبِع للجنازة، ولهذا قال العلماء من اُتْبِع بجنازة ينبغي أن يتبعها بتبكر وأن هذا المحمول على النعش ويُمشى به إلى حيث يُدفن كان يمشي مثل هؤلاء الذين يحملونه وكان أيضًا يَتْبع جنائز ومثل أنه محمول سيأتي على حامله يوم يكون مثله محمول فيتذكر وينظر ماذا أعدَّ لهذا اليوم، ماهي الأعمال التي قدمها لهذا اليوم، وهو يوم آتٍ لا ريب فيه، ولا يدري هذا الذي يَحمل الجنازة متى سيكون مثل هذا الشخص يُحمل، فقد يكون في الصلاة اللاحقة يُصلى عليه.
ذكر لي أحد الأفاضل قصة عجيبة، يقول: كنا صلّينا في هذا المسجد -المسجد النبوي- على الجنازة صلاة العصر وذهبنا ودفنّا الرجل، وكان معي صاحب لي، ونحن نخرج مررنا بقبر ليس به أحد، قبر محفور لم يُدفن فيه أحد ثم اقترب صاحبي ونظر في القبر، فقال: هنيئًا لصاحب هذا القبر، يقول لي مُحَدِّثي أننا صلينا عليه المغرب ودفناه في القبر نفسه،
يقول: هنيئًا لصاحب القبر، وما عَلِم أن الصلاة القادمة سيصلي عليه هو ويُوضع في هذا القبر، فإذا مشى الإنسان مع الجنازة بالتفكر والتأمل وأن هؤلاء الذين يحملون بين وقت واحد مثلنا كانوا يمارسون أعمالهم بنشاط وبعضهم شباب، فالموت لا يفرق بين كبير سن وصغير سن.
يقال كان عند فلان شخصٌ توفي، ينصرف الذهن مباشرة إلى الشيخ المُسِن الذي عنده فيُفاجَأ الناس أنه شباب،
فاتباع الجنازة يجب أن يكون بتفكر لا بالغفلة، مع أن هذا الأمر فيه معرفة كبيرة ونفع كبير للقلوب.
أحد السلف أراد أن يعظ رجلًا من الغافلين فأخده إلى المقابر والنبي -ﷺ- قال:”زوروا القبورَ ؛ فإِنَّها تُذَكِّرُكُمُ الآخِرَةَ”.
فأخذه إلى المقابر وأوقفه على القبور، وقال: يا فلان لو كنت مكان هؤلاء ماذا تتمنى؟ قال: والله أتمنى أن يعيدني الله للحياة الدنيا أعمل صالحًا غير الذي أعمله الآن، قال: يا فلان أنت الآن فيما تتمنى، اعمل صالحًا قبل أن تُقبض روحك ولا ينفعك حينئذٍ التَّمني.
فإذن اتباع الجنازة من شُعَب الإيمان وله نفع عظيم للميت ونفع عظيم لمن يتبع الجنازة
شرح حديث من اتبع جنازة
أورد البخاري -رحمه اللّٰه تعالىٰ- تحت هذه الترجمة حديث أبي هريرة-رضي اللّٰه عنه- أن النبي -ﷺ- :” مَنِ اتَّبَعَ جَنَازَةَ مُسْلِمٍ، إيمَانًا واحْتِسَابًا، وكانَ معهُ حتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا ويَفْرُغَ مِن دَفْنِهَا، فإنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأجْرِ بقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحُدٍ، ومَن صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ قَبْلَ أنْ تُدْفَنَ، فإنَّه يَرْجِعُ بقِيرَاطٍ.”
الجَنازة بفتح الجيم اسم الميت.
و الجِنازة بكسر الجيم اسم للنعش.
“إيمَانًا واحْتِسَابًا ” أي لم يأتي مُجاملة.
فالثواب الذي ذُكر في الحديث مقيدًا بهذا القيد إيمانًا واحتسابًا، إيمانًا بالله، واحتسابًا لنيل ثواب الله.
وهذا فيه شاهد أن اتباع الجنازة من الإيمان بالله بهذا القيد أن يكون يفعل هذا الأمر إيمانًا بالله واحتسابًا للأجر والثواب للّٰه -سبحانه وتعالىٰ-
” وكانَ معهُ حتَّى يُصَلَّى عَلَيْهَا “أي على الجنازة
“فإنَّه يَرْجِعُ مِنَ الأجْرِ بقِيرَاطَيْنِ، كُلُّ قِيرَاطٍ مِثْلُ أُحد” له قيراطان قيراط للصلاة وقيراط لدفن الجنازة، فَلَه بهذا قيراطان
“قال ومَن صَلَّى عَلَيْهَا ثُمَّ رَجَعَ ” أي لم يشيع الجنازة بعد الصلاة ويذهب إلى المقبرة، رجع بقيراط واحد،
إذن الصلاة عليها قيراط
والمواصلة إلى المقبرة للدفن عليها قيراط آخر.
والقيراط ما مقداره؟ قال مثل أُحُد وهو جبل معروف في شمال المدينة، وقيل إنه سُمّي أحد لتوحده وأنه ليس مثل الجبال.
وجاءت رواية أخرى في مسلم قال أصغرهما مثل أُحُد.
وهذا فيه أن القيراطين حجمهما ليس متساوٍ، أحدهم أكبر من الآخر، فالأصغر فيهم مثل أُحُد.
و ابن عمر -رضي اللّٰه عنها- لما بلغه الحديث قال: “لقَدْ فَرَّطْنَا في قَرَارِيطَ كَثِيرَةٍ.”
( مستفاد من كلام الشيخ عبد الرزاق البدر / بتصرف )