شرح حديث ليس من البر الصوم في السفر
الحديث النبوي:
عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ قَالَ: “كانَ رَسولُ اللَّهِ ﷺ في سَفَرٍ، فَرَأَى زِحَامًا ورَجُلًا قدْ ظُلِّلَ عليه، فَقالَ: ما هذا؟ فَقالوا: صَائِمٌ، فَقالَ: ليسَ مِنَ البِرِّ الصَّوْمُ في السَّفَرِ”.
في جماليات هذه الدين تأتي في المرتبة الأولى مدرسة الصوم الأخلاقية، مدرسة يتعلم فيها المؤمن خصال حميدة جمّة: الصبر، مجاهدة النفس، التقوى.. وأسرار إيمانية أخرى، كيف لا والصوم هو مفتاح بوابة الجنة!
صحابي حديث ليس من البر الصوم في السفر
جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام الأنصاري الخزرجي، صحابي جليل، كنيته أبو عبد الله، روى الكثير عن النبي ﷺ، وشهد بيعة الرضوان والخندق، كان هو وأبوه ممن شهدوا بيعة العقبة وكان جابر أصغرهم وآخرهم موتًا، كان أبوه من نقباء بدر، استشهد أبوه في غزوة أحد وكان جابر قد أطاعه بأن يمكث من أجل أخواته، استغفر له النبي ﷺ خمسًا وعشرين مرة، مات سنة 78 عن 94 سنة وكان قد ذهب بصره.
اقرأ أيضا: المؤنسات الغاليات
معنى خيركم من تعلم القرآن وعلمه
في ظلال حديث ليس من البر الصوم في السفر
من المواقف المنثورة بين دفتي السيرة النبوية يذكر لنا هذا الحديث موقف مر على النبي ﷺ، حينما كان في سفر عام الفتح في رمضان في السنة الثامنة من الهجرة، رأى قومًا اجتمعوا حول رجلٍ –قيل إنه أبو إسرائيل العامري- وقد جعلوا فوقه شيئًا يظلله ويحميه من الشمس بسبب ما حصل له من العطش والتعب وضعف بدنه، وعندما سألهم النبي ﷺ عن أمره أخبروه بأنه صائم ولم يأخذ برخصة السفر، فبيّن لهم النبي ﷺ أنه ليس من الطاعة والعبادة الصيام في السفر أي إذا وصل الصائم لهذه الحالة من المشقة والتعب، لأن الله سبحانه وتعالى رخّص للصائم الفطر، فرضًا كان أو تطوعًا، ومن هنا تتجلى لنا رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده في مشروعية جواز الإفطار في السفر.
- مفهوم الصيام: هو الإمساك عن الطعام والشراب وسائر المفطرات من طلوع الفجر الصادق إلى غروب الشمس، وقد فرضه الله سبحانه وتعالى في السنة الثانية من الهجرة، وهو على نوعين:
- صيام واجب مثل: رمضان، والقضاء، والكفارات.
- صيام التطوع مثل: الأيام البيض، وصوم الاثنين والخميس.
بعد شرح حديث ليس من البر الصوم في السفر – فضائل الصيام
“وأنا أجزي به” نص من حديث قدسي يأخذنا في رحلة حول جوهرة العبادات ومن أعظمها، الصوم.. أحب العبادات إلى الله سبحانه وتعالى، والذي إذا أخبر أنه يتولى فيه بنفسه الجزاء فكيف سيكون قدر الثواب والعطاء منه سبحانه؟
الصيام جُنَّة، أي وقاية وحماية، من الذنوب ومن النار، لأن أصل الصوم هو الإمساك عن الشهوات، وهو تحرير وتربية، تحرير من سجن الشهوة والذنوب، وتربية على إحكام الغرائز وضبطها، وهذا هو مكنون جهاد النفس، وبه يصل الإنسان إلى أعلى مقام.. الجنة.
(والسر في تفضيل الصوم على سائر العبادات هو أن الصوم):
- أضافه الله سبحانه وتعالى إلى نفسه وتولى الجزاء عليه.
- لا يدخله الرياء، لأنه عبادة غير مرئية بخلاف الصلاة مثلًا.
- خالص لله سبحانه وتعالى، فليس للمؤمن حظ فيه ولا نصيب، بخلاف العبادات الأخرى فقد ينال الإنسان بفعلها مدح الناس.
الحكمة من الصيام
بنصٍ قرآني جاءت الحكمة الأعظم من تشريع الصيام ألا وهي التقوى، من قوله تعالى: “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ”، فكان الصيام من تحصيله:
- التقوى، وتزكية البدن، ونقاء الروح، وإغلاق لمسالك الشيطان.
- تدريب النفس على استشعار مراقبة الله، وأنه مطلع على عباده في السر والعلن.
- وسيلة لكسر الشهوة، وشكر الله على النعم، وسببٌ للعطف على الفقراء والمساكين.
- قهر للشيطان، وتضييق مجاريه على الإنسان ووسوسته له.
أحاديث مفيدة:
من هو ربك وما دينك ومن هو رسولك
شرح حديث القاتل والمقتول في النار
ليس من البر الصوم في السفر
ذكر النبي ﷺ أن صوم المسافر ليس من البر، لأنه هلاك وتعذيب للنفس، وليس الهدف هو تعذيب العباد لأنفسهم، فالله سبحانه وتعالى غني عن ذلك، ومن ثم على العبد ألا يجهد نفسه وأن يأخذ بالرخصة التي شرعها الله له.
لكن قبل أن نتعمق في رخصة الفطر في السفر يتبادر إلى الذهن سؤال.. ما هي الرخصة؟ وما الفرق بينها وبين العزيمة؟ وما هو الأصل في العبادات؟
الرخصة: هي مجرد تخفيف الحكم الشرعي الأصلي دون إلغاء العمل به، كالفطر في السفر.
والفرق بينها وبين العزيمة هو أن العزيمة حكم أصلي ثابت دون تخفيف، وهي العبادات واجبة الفعل، مثل الصيام في السفر، لكن مع تشريع الرخصة تغير الحكم لمشروعية الفطر في السفر مع وجود المشقة، ومن ذلك نستنتج أن الأصل في العبادات هو العزيمة، وما جاء تخفيفًا يكون رخصة، رحمةَ من الله سبحانه وتعالى وتطييبًا لقلوب عباده.
عن النبي ﷺ قال: “إنَّ اللهَ يُحبُّ أن تُؤتَى رُخَصُه، كما يُحبُّ أن تُؤتَى عزائمُه”، الله سبحانه وتعالى عندما أقرّ رخصًا وأحكامًا وخففها على عباده، كانت بهدف رفع الحرج في أوقات الضرورة، لأن الغاية: “يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ”.
ومن أمثلة الرخص التي شرّعها الله لعباده:
- المسح على الخفين في الوضوء بدلًا من غسل الرجلين. (رخصة إبدال)
- قصر الصلاة للمسافر. (رخصة تنقيص)
- تناول الميتة للمضطر. (رخصة اضطرار)
- الفطر للمسافر والمريض في رمضان. (رخصة تأخير)
- النطق بكلمة الكفر مع اطمئنان القلب بالإيمان حال الإكراه. (رخصة تخفيف)
- التيمم بدلًا من الوضوء عند عدم وجود الماء أو عدم القدرة على استعماله. (رخصة إبدال)
لماذا وصف النبي ﷺ الصيام في السفر بأنه ليس من البر؟ لأن فيه:
- وقوع الضرر بالنفس.
- تكاسل عن العمل، وانتظار لمساعدة الآخرين له.
- تسرب الرياء والعجب إلى القلب إذا صام في السفر.
لكن هل هذا الحكم ينطبق أيضًا على من يسهل عليه الصيام في السفر ولا يشعر بمشقة أو تعب؟
من يسهل عليه الصيام في السفر ولا يجد تعب أو مشقة وذلك كمن يسافر بوسيلة مريحة، أو من يسافر سفرًا قصيرًا، ولا يحتاج من يخدمه ويساعده، ويجد مشقة في القضاء بعد رمضان، فهذا الصوم له أفضل، لعدم وجود المسبب وهو التعب والمشقة، والنبي ﷺ قال لحمزة بن عمرو الأسلمي: “إن شئت فصم، وإن شئت فأفطر”، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: “كنا نسافر مع النبي ﷺ فلم يعب الصائم على المفطر ولا المفطر على الصائم”، فالنبي ﷺ لم ينكر على أحد، فدل ذلك على المساواة بين الأمرين، وأن التخيير بين الصوم والإفطار متاح.
ونستنج من هذا أن العبد إن كان يعلم بوجود المشقة في الصوم وصام فهذا ليس من البر، بل عليه أن يفطر ويقضي لقوله تعالى: “فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِیضًا أَوۡ عَلَىٰ سَفَرࣲ فَعِدَّةࣱ مِّنۡ أَیَّامٍ أُخَرَۚ”، وإن كان لا يتأثر فالصوم له أفضل، إدراكًا للوقت الفضيل، ولأنه لا يضمن حاله وعمره بعد رمضان.
فرائد
- قال ابن عثيمين إن من فوائد هذا الحديث: جواز الالتفاف أو التجمع لرؤية الأشياء الغريبة.
- “ليس من أمبر أم صيام في أمسفر “، بالرغم من أن هذه الرواية شائعة إلا أنها ليست صحيحة، فقد أوردها الألباني في السلسلة الضعيفة، وذكر أنها رواية شاذة.