شرح حديث لا يفرك مؤمن
وقال الشيخ العلامة السعدي رحمه الله تعالى أيضا في كتاب “بهجة قلوب الأبرار”
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
« لا يفرك مؤمن مؤمنة :
إن كره منها خلقا رضي منها آخر » .
رواه مسلم .
هذا الإرشاد من النبي صلى الله عليه وسلم للزوج
في معاشرة زوجته من أكبر الأسباب
والدواعي إلى حسن العشرة بالمعروف ،
فنهى المؤمن عن سوء عشرته لزوجته .
والنهي عن الشيء أمر بضده .
وأمره أن يلحظ ما فيها من الأخلاق الجميلة ،
والأمور التي تناسبه ،
وأن يجعلها في مقابلة ما كره من أخلاقها
فإن الزوج إذا تأمل ما في زوجته من الأخلاق الجميلة ،
والمحاسن التي يحبها ،
ونظر إلى السبب الذي دعاه إلى التضجر منها وسوء عشرتها ،
رآه شيئا واحدا أو اثنين مثلا ،
وما فيها مما يحب أكثر .
فإذا كان منصفا غض عن مساوئها لاضمحلالها في محاسنها .
وبهذا :
تدوم الصحبة ،
وتؤدى الحقوق الواجبة المستحبة .
وربما أن ما كره منها تسعى بتعديله أو تبديله .
وأما من غض عن المحاسن ،
ولحظ المساوئ ولو كانت قليلة ،
فهذا من عدم الإنصاف .
ولا يكاد يصفو مع زوجته .
والناس في هذا ثلاثة أقسام .
أعلاهم :
من لحظ الأخلاق الجميلة والمحاسن ،
وغض عن المساوئ بالكلية وتناساها .
وأقلهم توفيقا وإيمانا وأخلاقا جميلة ،
من عكس القضية ،
فأهدر المحاسن مهما كانت ،
وجعل المساوئ نصب عينيه .
وربما مددها وبسطها وفسرها بظنون وتأويلات تجعل القليل كثيرا ،
كما هو الواقع .
والقسم الثالث :
من لحظ الأمرين ، ووازن بينهما ،
وعامل الزوجة بمقتضى كل واحد منها .
وهذا منصف .
ولكنه قد حرم الكمال .
وهذا الأدب الذي أرشد إليه صلى الله عليه وسلم ،
ينبغي سلوكه واستعماله مع جميع المعاشرين والمعاملين
فإن نفعه الديني والدنيوي كثير ،
وصاحبه قد سعى في راحة قلبه ،
وفي السبب الذي يدرك به القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة ؛
لأن الكمال في الناس متعذر .
وحسب الفاضل أن تعد معايبه .
وتوطين النفس على ما يجيء من المعاشرين
مما يخالف رغبة الإنسان ،
يسهل عليه حسن الخلق ،
وفعل المعروف والإحسان مع الناس . .
والله الموفق .
لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر
“لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر” 1،
فائدتان عظيمتان:
إحداهما: الإرشاد إلى معاملة الزوجة والقريب والصاحب والمعامل،
وكل من بينك وبينه علاقة واتصال،
وأنه ينبغي أن توطن نفسك على أنه لا بد أن يكون فيه عيب أو نقص أو أمر تكرهه،
فإذا وجدت ذلك، فقارن بين هذا وبين ما يجب عليك أو ينبغي لك من قوة الاتصال والإبقاء على المحبة، بتذكر ما فيه من المحاسن، والمقاصد الخاصة والعامة، وبهذا الإغضاء عن المساوئ وملاحظة المحاسن، تدوم الصحبة والاتصال وتتم الراحة وتحصل لك.
الفائدة الثانية:
وهي زوال الهم والقلق، وبقاء الصفاء، والمداومة على القيام بالحقوق الواجبة والمستحبة:
وحصول الراحة بين الطرفين، ومن لم يسترشد بهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم – بل عكس القضية فلحظ المساوئ، وعمي عن المحاسن-، فلابد أن يقلق، ولابد أن يتكدر ما بينه وبين من يتصل به من المحبة، ويتقطع كثير من الحقوق التي على كلٍ منهما المحافظة عليها.
وكثير من الناس ذوي الهمم العالية يوطنون أنفسهم عند وقوع الكوارث والمزعجات على الصبر والطمأنينة. لكن عند الأمور التافهة البسيطة يقلقون، ويتكدر الصفاء، والسبب في هذا أنهم وطنوا نفوسهم عند الأمور الكبار، وتركوها عند الأمور الصغار فضرتهم وأثرت في راحتهم، فالحازم يوطن نفسه على الأمور القليلة والكبيرة ويسأل الله الإعانة عليها، وأن لا يكله إلى نفسه طرفة عين، فعند ذلك يسهل عليه الصغير، كما سهل عليه الكبير.
ويبقى مطمئن النفس ساكن القلب مستريحاً.
1-رواه مسلم.
الوسائل المفيدة للحياة السعيدة
تأليف العلامة الشيخ
عبد الرحمن بن ناصر السعدي
وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم
لا يفرك مؤمن مؤمنة إن كره منها خلقاً رضي منها خلقاً آخر
قال ابن عثيمين في شرح رياض الصالحين
لا يفرك مؤمن مؤمنة يعني لا يبغضها لأخلاقها إن كره منها خلقا رضي منها خلقا آخر إذا أساءت مثلا في ردها عليك مرة لكنها أحسنت إليك مرات، أساءت ليلة لكنها أحسنت ليالي أساءت في معاملة الأولاد مرة لكن أحسنت كثيرا وهكذا فأنت إذا أساءت إليك زوجتك لا تنظر إلى الإساءة في الوقت الحاضر ولكن أنظر إلى الماضي وانظر للمستقبل واحكم بالعدل
وهذا الذي ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في المرأة يكون في غيرها أيضا ممن يكون بينك وبينه معاملة أو صداقة أو ما أشبه ذلك إذا أساء إليك يوما من الدهر فلا تنس إحسانه إليك مرة أخرى وقارن بين هذا وهذا وإذا غلب الإحسان على الإساءة فالحكم للإحسان وإن غلبت الإساءة على الإحسان فانظر إن كان أهلا للعفو فاعف عنه ومن عفا وأصلح فأجره على الله وإن لم يكن أهلا للعفو فخذ بحقك وأنت غير ملوم إذا أخذت بحقك لكن انظر للمصلحة
فالحاصل أن الإنسان ينبغي له أن يعامل من بينه وبينه صلة من زوجية أو صداقة أو معاملة في بيع أو شراء أو غيره أن يعامله بالعدل إذا كره منه خلقا أو أساء إليه في معاملة أن ينظر للجوانب الأخرى الحسنة حتى يقارن بين هذا وهذا فإن هذا هو العدل الذي أمر الله به ورسوله كما قال تعالى
إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون