شرح حديث لا يبولن احدكم في الماء الدائم
وَلِلْبُخَارِيِّ: «لا يَبُولَنَّ أَحَدُكُمْ فِي الْمَاءِ الدَّائِمِ الَّذِي لا يَجْرِي ثُمَّ يَغْتَسِلُ فِيهِ».
قال فضيلة الشيخ حامد بن خميس الجنيبي وفقه الله في شرح بلوغ المرام الدرس الثاني:
الحديث الثاني:
ونهى النبي (صلى الله عليه وسلم) في الحديث الثاني عن البول فيه، الأوَّل النهي فيه من باب الاستقذار، فذلك أنَّ المني –كما سيأتي حكمه طاهر-ولكنه يستقذر، تعافه النَّفس، فلو اعتاد الناس في حال الجنابة أن يغتسلوا في الماء الدائم، لأثر ذلك في الماء، وظهر أثره في الماء، فاستقذره الناس ولم يستعملوه
وأمَّا البول في الماء الدائم، فهو من باب التنجيس، والحكم في الحالتين التحريم سواء أكان للجنب أو للبائل، فلا يجوز اغتسال الجنب في الماء الدائم، ولا البائل.
مسألة : هل هذا الحكم خاص لمن يبول في الماء الدائم ثمَّ يغتسل فيه؟ أو حتى هو لمن بال ولم يغتسل فيه؟
فالصحيح هو حتى لمن بال ولم يغتسل فيه؛ لأنَّ هناك علَّة، والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا، فإذا وجدت العلة وجد الحكم، وإذا انتفت العلة انتفى الحكم، والعلة هي تنجيس الماء، وقوله (عليه الصلاة والسلام): ثمَّ يغتسل فيه، هو إخباٌر أنَّ الإنسان قد يحتاج هذا الماء، فكيف يبول فيه ثم يحتاج إليه اهـ.
[ شرح حديث لا يبولن احدكم في الماء الدائم ]
قال الشيخ حامد وفقه الله أيضا:
مسألة(3): لو أنَّ إنسان بال في إناء ثمَّ صبه في هذه البكرة، فهل هذا أيضا داخل أو لا؟
فهو داخٌل طبعًا لوجود العلة، ومن غرائب ابن حزم غفر الله له، أنَّه أجاز هذه الصورة، وأنَّها لا تدخل في النهي الوارد عن النبي (صلى الله عليه وسلم) وهذا من باب أنَّ ابن حزم غفر الله له، لا يعتبر أصلًا بالعلل، ولا يلتفت إلى العلل بل يقول بأنَّ الأحكام الشرعية ليست معللة، كل الأحكام الشرعية، وهذا الذي قاده إلى الظاهرية، وظاهريته إنَّما كانت سببًا لتجهمه غفر الله له، أنَّ كان جهميًا والجهميَّة ينكرون العلة، ولا يرتضون بالعلة ويقولون أنَّ الأحكام الشرعية ليست معللة، ومن هذا الباب أنكر القياس وإنكار ابن حزم للقياس من باب وقوعه في التجهم، وهذه نكتة لطيفة يغفل عنها الكثير من الناس، فتجده يبحث خلاف ابن حزم في القياس، يبحث من باب أصولي فقط، والمسألة أبعد من ذلك فهو جهمي أصلًا فلا يستغرب عليه إنكار القياس، غفر الله له اهـ.
وهنا تنبيه أن الوضوء والاغتسال يستويان في النهي لذلك جاء في بعض الروايات [ ثم يتوضأ منه ] وإن لم ترد رواية لكان الأمر واضحا لما سبق ذكره
وفيه أيضا التنزه عن المستقذرات والنجاسات وهذا يكون حال المسلم في جميع أمور حياته.
ويستفاد من الحديث أن الماء الجاري غير الراكد لا تحريم في البول فيه والابتعاد عن البول في المياه هذا أمر مطلوب سواء كانت جارية أو ساكنة، ولكن الفرق بين الساكنة والجارية أن الساكنة تؤثر فيها النجاسة، والجارية لا تؤثر فيها النجاسة.
وهنا مسألة هل يلحق بذلك الغائط ؟ والجواب نعم عند جمهور الفقهاء كما في سبل السلام للصنعاني وهو يدخل من باب أولى.
[ شرح حديث لا يبولن احدكم في الماء الدائم ]
وبعض العلماء تطرق إلى مسألة مهمة وهي المغاسل التي لدينا في العصر الحاضر هل تدخل في الحديث أم لا
وخلاصة الكلام إذا كان هناك مجرى للماء ويذهب البول مع الماء فلا يبقى معه أثر ولا مماسة للنجاسة ففي هذا الحال لا يضر ويراجع في ذلك شرح سنن أبي داود لفضيلة الشيخ عبد المحسن العباد.
ولكن لا يبول حتى في هذه المغاسل ثم يغتسل فيها أو يتوضأ منها إنما يغير الماء ويفتح مجرى الماء الذي يؤدي إلى المجاري ثم يضع فيه ماء جديد للاستعمال.
جاء في رواية (فإن عامة الوسواس منه) لكنها زيادة فيها كلام لا تصح وممن حكم بضعف هذه الزيادة المحدث عبد المحسن العباد وفقه الله راجع شرحه على سنن أبي داود.
والحديث فيه النهي عن البول والاغتسال، أي: عن الجمع بينهما، وكذلك لا يجوز فعل واحد منهما، لا البول وإن لم يغتسل، ولا أن يغتسل وإن لم يبل، بل هذا ممنوع وهذا ممنوع.