لا تسبوا الأموات | الحديث النبوي
عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال النبي ﷺ: “لا تَسُبُّوا الأمْوَاتَ، فإنَّهُمْ قدْ أفْضَوْا إلى ما قَدَّمُوا”.
ولأن هذا الدين يُعلّم، ويؤدِّب، ويُهذِّب.. كان على الإنسان أن يضع نصب عينيه مسؤولية جوارحه.
ولأن المصير إما إلى جنة أو نار.. كان على الإنسان أن يدرك الدواء ليعالج الداء.
صحابي حديث لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا
عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها، بنت أبو بكر الصديق وزوجة النبي ﷺ، تزوجها النبي ﷺ في شوال عام 10 أو 11 من النبوة، وتعد من المكثرين لرواية الحديث عن النبي ﷺ، وهي أفضل وأفقه نساء الأمة على الإطلاق، فقد تربت في البيت النبوي واتسمت بغزارة العلم والمعرفة، وكانت تجتهد في بعض المسائل، وكان الصحابة يرجعون إليها فيما أشكل عليهم فيجدون عندها الجواب، مرضت في آخر حياتها ولزمت الفراش، واهتم الصحابة بعنايتها وبصحتها إلى أن توفت عام 57 هجرية، وصلى عليها أبو هريرة بعد الوتر في رمضان ودُفنت في البقيع.
لا تسبوا الاموات فانهم قد افضوا الى ما قدموا
إذا تأملت.. سترى أن تكاليف هذا الدين قد أولت اهتمامًا كبيرًا بالحفاظ على العلاقات الاجتماعية بين المسلمين، ورسمت الخطوط العريضة في حفظ أعراضهم، وحرمّت السب والشتم فيما بينهم أحياءً وأمواتًا.
في هذا الحديث إشارة نبوية مهمة إلى تحريم سبّ الميت أو الإساءة إليه، فالميت قد أفضى إلى ما قدّم، ووصل إلى ما عمل خيرًا أو شرًا، فالله سبحانه وتعالى يحاسبه ويجازيه، إن شاء غفر له وإن شاء عذّبه، وبالتالي ليس لأحد أن يحكم على أحدٍ بالجنة أو بالنار، فإن عاقبة المرء أمرٌ غيبيّ لا يعلمه إلا الله سبحانه وتعالى.
وعلمهم محمد صلى الله عليه وسلم لا تسبوا الأموات فتؤذوا الأحياء
عن النبي ﷺ قال: ” لا تَسُبُّوا الأمواتَ، فتُؤْذوا الأحياءَ “ تلاحظ هنا أن النبي ﷺ قد نهى عن سب الأموات أيضًا لعلة أخرى وهي لكف الأذى عن الأحياء ذوي الأموات، لما ما يعتري قلوبهم من حزن وأسى بسبب ذلك، فنهيُ النبي ﷺ هنا جاء مراعاةً لمصلحة الأحياء من ذوي الأموات، وأيضًا لإغلاق باب التشاحن والتخاصم وغير ذلك من الأمور التي قد تترتب على هذا الفعل الذي يذهب بغمامة السلامة التي تظلل المجتمع الإسلامي.
أما بالنسبة إلى مسألة ذكر الأموات بالخير فهذا مشروع بقول النبي ﷺ ” لا تَذكُروا هَلْكاكم إلَّا بخَيرٍ “، وقد ورد أن الصحابة مرّوا بجنازة فأثنوا عليها بالخير فقال لهم النبي ﷺ وجبت له الجنة، ومرّوا بأخرى فذكروها بالشر فقال النبي ﷺ وجبت له النار، وقال لهم: ” أنتم شهداء الله في الأرض “، لكن النبي ﷺ لم ينههم هنا عن ذكر الميت بالسوء
وذلك لأن سب الأموات وذكرهم بالشر إنما هو خاص بالمسلمين، أما الكفار والمنافقين وأيضا المعروفين بالفسق والبدع فهذا لا يحرم ذكرهم بالشر، من أجل التحذير من اتباعهم والاقتداء بهم والسير على نهجهم وآثارهم، وهذا الحديث الذي أثنوا فيه على الميت بالشر كونه معروفًا بالنفاق، ولأن ذكر الأموات يُعد من الجَرح الذي يدخل تحت المصلحة الشرعية.
الإنسان إذا تأمل الدين.. سيبصر الحكمة الإلهية من كل تكليف.
واقرأ أيضا: لا تكرهوا البنات
حديث مهم: حديث رفقا بالقوارير
حرمة المسلم
جعل الإسلام حرمة المسلم أعظم حرمة في الإسلام، وألزم بصونها على المسلمين والمسلمات، بل إنها أعظم حرمة من الكعبة، فقد ورد أن عبد الله بن عمر نظر يومًا إلى الكعبة وقال: “ما أعظمَكِ وأعظمَ حُرمتِكِ! والمؤمنُ أعظم حُرْمةً مِنْكِ“، وحرمة المسلم ليست قائمة حال حياته فقط، بل ممتدة إلى بعد وفاته أيضًا، وقد استدل العلماء بحديث عبد الله بن عباس حينما شهد جنازة ميمونة وقال: “هَذِهِ زَوْجَةُ النَّبِيِّ ﷺ فَإِذَا رَفَعْتُمْ نَعْشَهَا فَلا تُزَعْزِعُوهَا وَلا تُزَلْزِلُوهَا وارْفُقُوا“، أي دون اضطراب أو حركة شديدة، بل سيروا سيرًا معتدلًا، لأن حرمتها بعد موتها كحرمتها حال حياتها.
وقد حذرت الشريعة وشددت في تحريم سباب المسلم حيًا أو ميتًا، قال النبي ﷺ: “سِبَابُ الْمُسْلِمِ فُسُوقٌ وَقِتَالُهُ كُفْرٌ“، فقد عظّم الإسلام حق المسلم، بل جعل من يسبه بغير حق في عداد الفاسقين، وللأسف هذا الأمر بالرغم من خطورته إلا أنه يتهاون فيه الكثير من العامة.
خرج العلماء من الخلاف في مسألة النهي عن سب الأموات بقاعدة وهي: “النهي عن سب الأموات حكمه حكم نظيره الواقع في حق الأحياء، فمن جازت غيبته ومسبته حيًا؛ جاز ذلك في حقه ميتًا” من الكفار والفاسقين والمنافقين، فيُذكر بما فيه من السوء والشر، شهادةً بما يتصف به من خصال تنبيهًا للناس وتحذيرًا منه، وذلك عن طريق البينة ودليل، فإن الشهادة بما ليس فيه يُعد من البهتان وهو محرم في الإسلام.
قال الإمام النووي في الأذكار: “وجاء في الترخيص في سبّ الأشرار أشياء كثيرة، منها ما قصَّه اللَّهُ علينا في كتابه العزيز وأمرنا بتلاوته وإشاعة قراءته؛ ومنها أحاديثُ كثيرة في الصحيح، كالحديث الذي ذكر فيه ﷺ عمرو بن لحيّ، وقصة أبي رِغال، والذي كان يسرقُ الحاجَّ بمحجنه، وقصة ابن جُدْعان وغيرهم، ومنها الحديث الصحيح الذي قدّمناه لما مرّت جنازة فأثنوا عليها شرًّا فلم ينكر عليهم النبيّ ﷺ بل قال: “وجبتْ”.
ولأن الجوارح من تهوي بصاحبها أو ترفعه، فلا يجوز السعي بين عموم المسلمين بالغيبة والنمية، أو التعرض لهم بالسباب والشتم، وليحذر المرء من أن يسوق بصنيعه خصمًا له بريئًا يوم لا ينفع مال ولا بنون، يوم أن يقف بين يدي مالك الملك وهو أحكم الحاكمين.
ننصحك أيضا بقراءة:
شرح حديث إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى
المصلحة الشرعية
من المعلوم أن الكافر ليس له حرمة، وأن للمسلمين حق في سب الأموات الكافرين من آذوا المسلمين وحاربوهم وقتلوهم، وحاولوا أن يفسدوا عليهم دينهم، ولكن هذا الأمر مقيّد بالمصلحة، فإذا ترتب على هذا السب مفسدة شرعًا ففي هذه الحالة يُنهى عن ذلك، قال تعالى: “وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ”، وأيضًا من الأمور التي يجب أن تُتوقّى إذا كان للكافر أقارب مسلمون يتأذون بذكر مساوئه، فينبغي الكف عن ذلك مراعاة لأقاربه، وقد حذر الشرع من الكذب أو الاعتداء في الغيبة والسب، قال تعالى: “وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ”، أما سوء الظن بالكافر إن كان محله القلب دون الإفصاح فلا إثم فيه، لأن الكافر ليس من أهل العدالة.
اطلع على: كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته
فوائد وفرائد حديث لا تسبوا الاموات
- في الحديث نهي عن سب الأموات، وخاصة المسلمين.
- يستثني من التحريم سب الأموات أو ذكرهم بالشر من هم كفار أو منافقين أو مبتدعة.
- مشروعية ذكر الكفار والمنافقين بالشر لتحذير الناس من ضلالهم ومن اتباعهم، وهذا من الجَرح الذي يندرج تحت المصلحة الشرعية.
- السب والغيبة لا يكون إلا بحق وبرهان، دون اعتداء أو كذب.
- العلة من النهي عن سب الأموات أنهم أفضوا إلى ما قدموا فلا يفيد سبّهم بشيء، بالإضافة إلى أن السب يؤذي أقرباء الميت.
- العلة من النهي عن سب الأموات هو الحفاظ على علاقات المجتمع من التشاحن والتباغض.
- على الإنسان أن يعي ما يقول، وألا يتكلم بما ليس فيه فائدة، فالكلمة قد ترفع صاحبها درجات أو تهوي به في النار.