شرح حديث لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق

الحديث النبوي:

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تَزالُ طائِفَةٌ مِن أُمَّتي ظاهِرِينَ علَى الحَقِّ، لا يَضُرُّهُمْ مَن خَذَلَهُمْ، حتَّى يَأْتِيَ أمْرُ اللهِ” وفي رواية: “وهُمْ كَذلكَ”.

من رحمة الله بالأمة أن يبقى الحق قائمًا لا يضيع، على يد طائفة منصورة من الله عز وجل لا يضرها من خذلها أو حاربها، فمن هي الطائفة وما هو فضلها؟ ولماذا اختصها الله عز وجل بالإعانة والنصر؟

وهذا الحديث يشير إلى الثبات والاستمرار في العمل الصالح والالتزام بالحق، وهذا يذكرنا بقول النبي صلى الله عليه وسلم “إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه

 

التعريف براوي حديث لا تزال طائفة من أمتي

ثوبان، مولى رسول الله ﷺ اشتراه ثم أعتقه، وظل ثوبان يخدمه حتى توفي الرسول ﷺ وانتقل بعدها إلى الرملة ثم إلى حمص وتوفي بها سنة أربع وخمسين، من مآثره أن الرسول ﷺ دعا لأهله، فقال له ثوبان: أنا من أهل البيت؟ فقال في الثالثة نعم، ما لم تقم على باب سدة “أي باب السلطان ونحوه” أو تأتي أميرًا تسأله، وفي رواية لأبي داود أن رسول الله ﷺ قال: من يتكفل لي ألا يسأل، وأتكفل له بالجنة، فقال ثوبان أنا، فكان لا يسأل أحدًا شيئًا.

ولقد خرج النبي ﷺ صباح ذات يوم، ولم يعد إلى الليل، وعندما عاد وجد ثوبان يبكي، فسأله: “ما يبكيك يا ثوبان؟” فقال ثوبان: لا، يا رسول الله، ولكن تركتني يومًا وليلة فأوحشتني، فتذكرت أني أكون في الجنة أدنى، وأنت يا رسول الله في الدرجات العلا، ولا أستطيع أن أصل إليك، فأبكاني فراقك في الجنة يا رسول الله، فقال النبي ﷺ: “يا ثوبان أما علمت أن المرء يُحشر مع من أحب”.

 

في ظلال حديث لا تزال طائفة من أمتي

كتب الله عز وجل أن الحق لا ينقطع إلى يوم القيامة ووعد بالنصر والتمكين لأمة الإسلام، فهي آخر الأمم في الدنيا ونبيها خاتم الأنبياء أُرسل للناس كافة، ولأن دعوته ممتدة إلى آخر الزمان، فينبغي أن يبقى الحق قائمًا في الأمة، وهذا هو ما أشار إليه النبي ﷺ في هذا الحديث، كما أننا نعايشه عبر التاريخ حتى يومنا هذا.

إنها طائفة متميزة لا تزال على الحق منصورة ومحفوظة من الله عز وجل، لا تعبأ بمن خذلها أو حاربها أو عارضها أو ترك نصرتها وأعرض عن معاونتها، فهي متمسكة بالحق حتى يأتي أمر الله أي الريح الطيبة التي تكون قبل قيام الساعة فتقبض أرواح المؤمنين.

لنطمئن إذن إلى أن الحق باقٍ لا ينقطع، وأن الأجيال تتوارثه جيلًا بعد جيل، وأن هذه الطائفة التي تتمسك به منصورة ومحفوظة من الله عز وجل، ولنسع إلى أن ننال هذا الشرف بقوة ثباتنا على الحق.

 

  • بشارة

يبشرنا النبي ﷺ بأن الحق باقٍ إلى يوم الساعة، وأنه منصور ومحفوظ من الله عز وجل وهذا من فضله وإحسانه على الأمة الإسلامية، وهنا ينبغي أن يكون مفهومنا دقيقًا حول الحق ونصرته فليس مطلوبًا منك تحقيق النتائج، بل المطلوب هو الثبات على الحق مهما خذله أو خالفه الآخرون، وأن تكون مع هذه الطائفة التي اختصها النبي ﷺ في هذا الحديث.

 

  • الطائفة المنصورة

والسؤال هنا: ما هي خصائص وصفات الطائفة المنصورة التي ينبغي على المسلم أن يسير في ركابها؟ وقد أجاب الحديث النبوي عن ذلك فأوضح لنا أنها:

  1. طائفة أو فئة من الأمة وأن هناك طوائف أخرى تخالفها.
  2. بشّرها الله بالنصر والتمكين والظهور في الدنيا.
  3. تلتزم بالدين الصحيح الذي بعث به سيدنا محمد ﷺ.
  4. لا تتأثر بالمخالفين ولا المرجفين، كما أنها تتفقه في الدين كي يكون عملها موافقًا لما جاء به الكتاب والسنة.
  5. تجتمع على منهج واحد وهو منهج الإسلام الوسطي المعتدل البعيد كل البعد عن التشدد والتنطع أو التساهل والتميع
  6. تتميز عن الآخرين بحمل راية الدعوة والقيام بأمر الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
  7. صابرة مرابطة قابضة على الجمر، ثابتة على الحق حتى تنتهي آجالها أو يأتيها أمر الله، لا تخاف في الله عز وجل لومة لائم.
  8. مستمرة بأمر الله عز وجل ظاهرة على الحق رغم ما يواجهها من عقبات داخلية تتمثل في التخذيل والمخالفة والتثبيط، وعقبات خارجية تتمثل في مواجهة العدو.
  9. مستمرة في قهر العدو على المستوى المادي أو المعنوي لا يهمها ما يصيبها من ضرر أو أذى ولا اشتداد الخطوب والمآسي، وهو ما نشهده اليوم ماثلًا أمام أعيننا بفضل الله وتوفيقه.

من مقالاتنا: ما معنى الالد الخصم

أين نجد هذه الطائفة المنصورة

الصحابة والتابعون ومن تبعهم من الأئمة والعلماء وكل من صدّق بالقرآن والسنة وعمل بهما فهو من الطائفة الثابتة على الحق أيًّا كان جنسه أو مهنته أو صناعته، طالما يثبت على الحق في وجه المعارضين والمثبطين والمتخاذلين.

إنك تجد هذه الطائفة في مجموعة الشجعان المجاهدين والفقهاء والمحدثين والمفسرين والزهاد والعابدين.. فهم متفرقون في أمة محمد ﷺ وفي مختلف أقطار الأرض.

وهذا ما يؤكده العلماء، فالطائفة المنصورة لا تقتصر على فئة معينة ولا على بلد معين، فهناك من يبذل جهده في مقاومة الأعداء والدفاع عن الإسلام ومن يدافع عن سنة النبي ﷺ ومن يقرأ القرآن يتعلمه ويعلمه ومن يسعى في مجاهدة نفسه وتطهيرها من الذنوب.. الخ.

وإن كان آخر هذه الطائفة -كما تشير الأحاديث النبوية- يكون بالشام ويقاتل الدجال.

 

اصبروا وصابروا ورابطوا

ربما نستشعر من هذا الحديث أيضًا عظمة أن يكون المؤمن في معية الله دائمًا وأنه مهما تكالب عليه أعوان الشر، إلا أن الخير باقٍ إلى قيام الساعة، ولكن الأمر يتطلب منا أن نعمل بقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} وألا نلتفت إلى من خذلنا وعادانا ونشر الفساد في البلاد وبين العباد، ولنعلم أن كل منا على ثغر من ثغور الأمة، وأن كل ما نتعرض له من غصة وألم إنما هي أجور عظيمة يكتبها الله عز وجل لمن ثبت واحتسب.

 

لقد أدرك أعداء الإسلام هذا، لذا أصبح شغلهم الشاغل هو تدميره بكل ما أوتوا من وسائل وتقنيات وعلى كافة المستويات الفكرية والعسكرية، ومهما حاولوا ذلك تخيب آمالهم وتفشل خططهم ومكائدهم بفضل الله عز وجل رغم ما يلحقونه بالمسلمين من ضرر وأذى، ولكنه وعد الله لدينه فهو يهيئ له أسباب النصر والفوز والتمكين.

مما ننصحك بقرائته: معنى مبير في حديث يخرج من ثقيف كذاب ومبير

 

فوائد وفرائد من شرح حديث لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق

  1. في الحديث دليل على صدق النبي ﷺ، حيث أخبر بذلك ولا تزال هذه الطائفة موجودة في جميع الأزمنة حتى يومنا هذا.
  2. يشير الحديث إلى فضل الالتزام بالحق والثبات عليه والعمل به.
  3. فضل لزوم هذه الطائفة لأنها الناجية والمنصورة إلى قيام الساعة.
  4. بيان فضل هذه الأمة، فالله عز وجل أجارها عن الاتفاق على الضلال، فلا تزال فيها طائفة مؤمنة إلى نهاية الدنيا.
  5. فضل اتباع سنة النبي ﷺ وأن هذا من أسباب النصر والثبات على مقاومة العدو.
  6. بينت الروايات أن هذه الطائفة تميزت بميزة دون غيرها وهي في قوله: ” من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي

 

  • الجهاد في سبيل الله وبذل النفس والنفيس أمر لا مفر منه لحفظ الدين وأنه مستمر حتى تنعم الأمة الإسلامية بالنصر والتمكين في الدنيا والفوز برضا الله والجنة في الآخرة، نسأل الله عز وجل أن نكون ممن يساهم في نصرة الإسلام وعزته وتمكينه.
Scroll to Top