شرح حديث بني الاسلام على خمس

شرح حديث بني الاسلام على خمس

مُلقي الحديث :  و الصلاة و السلام على رسول الله و على أهله و صحبه اجمعين، قال الإمام الزبيدي – رحمه الله تعالى- في مختصره على صحيح البخاري في كتاب الإيمان: عَنْ ابْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «بُنِيَ الإِسْلامُ عَلَى خَمْسٍ شَهَادَةِ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ وَالْحَجِّ وَصَوْمِ رَمَضَانَ»

الشارح : إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفُسنا وسيئات أعمالنا، من يهدهِ الله فلا مُضل له ومن يُضلل فلا هادي له، و أشهدُ أن لا إله إِلا الله وحده لا شريك له و أشهدُ أن مُحمدًا عبده ورسوله.

أمَّا بعد فمع الدرس السادس من مختصر صحيح البخاري – رحمه الله – للزبيدي – رحمه الله – في ليلة الإثنين التاسع من جُمادى الأولى عام ثمانية وثلاثين بعد الأربعمائة و الف الموافق السادس من فبراير الفين وسبعة عشر

قرأ زميلكم الحديث الأول من كتاب الإيمان، قال البخاري -رحمه الله – كتاب الإيمان، هذا هو الكتاب الثاني في صحيح الإمام البخاري بعد كتاب بَدء الوحي إلى رسول الله (ﷺ) ومع الحديث الثامن من مختصر صحيح الإمام البخاري للزبيدي -رحمه الله –

 

كتاب الإيمان لا شك أن موضوع الإيمان من المواضيع التي يجب أن يعتني بها المسلم يتعلم مسائل الإيمان.

فالإيمانُ لغةً هو الإقرارُ، نعرّف الإيمان لغةً واصطلاحًا ثم نعرج إلى مُسمَّى الإيمان عند أهل السُنة والجماعة، ونشير إلى من خالفهم كمقدمةٌ لدراسة هذا الكتاب المهم من صحيح الإمام البخاري – رحمه الله – كتاب الإيمان .

فالإيمان لغةً هو الإقرار ولا إقرار إلا بتصديق، لا يكفي أن نقول أن الإيمان هو التصديق لا هو الإقرار والإقرار يتضمن التصديق فنقول أقر به كما تقول آمن به في لغة العرب و أقر له كما تقول آمن له.

والإقرار يكون باعتقاد القلب؛ أي بتصديقه الأخبار ويكون بعمل القلب؛ أي بإذعانه و انقياده للأوامر هذا هو تعريف الإيمان لغةً في لغة العرب، في لسان العرب هو الإقرار ولا إقرار إلا بتصديق فتقول أقر بهِ كما تقول آمن به و أقر له كما تقول آمن له والإقرارُ يكون باعتقاد القلب أي بتصديقه بالأخبار ويكون بعمل القلب أيضًا بإذعان القلب وانقياده لأوامر الله عز وجل، أمَّا الإيمانُ اصطلاحًا التصديقُ الجازم والإقرارُ الكاملُ والاعتراف التام بوجود الله تعالى وبربوبيته والوهيته و اسمائه و صفاته واستحقاقهِ وحده بالعبادة واطمئنان القلب بذلك اطمئنانا.

تُرى آثاره في سلوك العبد و الالتزام بأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه وكذلك تصديقه و الإقرارُ والاعتراف بأن محمدًا (ﷺ) رسول الله وقبول جميع ما أخبر به والانقياد له بالطاعة فيما أمر والكف عمَّا نهى عنه (ﷺ) وإظهارُ الخضوع والطُمأنينةِ لكل ذلك هذا تعريف الإيمان اصطلاحًا، التصديق الجازم بدون أي شك و الإقرار الكامل الاعتراف الكامل والاعتراف التام بوجود الله تعالى وبربوبيته إفرادهُ بأفعالهِ سبحانه وتعالى وأنه الخالق والمتصرف في هذا الكون وغير ذلك من ما يتعلق بربوبيته سبحانه وتعالى والوهيته إفرادهُ سبحانه وتعالى بالعبادة فلا يُعبد غيره سبحانه وتعالى كذلك أيضًا الاعتراف أيضًا و الإيمان بصفاته – عز وجل – بأسمائه وصفاته و اثبات ما اثبته لنفسه – عز وجل – من الأسماء والصفات في كتابه أو في سُنة رسوله (ﷺ) من غير تحريفٍ ولا تأويلٍ ولا تعطيل ولا تمثيل هذا كله يتعلق بالإيمان، واستحقاقه سبحانه وتعالى وحده بالعبادة فوق هذا كله اطمئنان القلب بذلك التصديق والإقرار والاعتراف اطمئنان القلب لا بد منه اطمئنانا تُرى آثاره آثار هذا الاطمئنان وهذا الإيمان في سلوك العبد في أخلاقه وفي عباداته وفي معاملاته و الإلتزامُ بأوامر الله تعالى واجتناب نواهيه، كذلك التصديق أيضًا والإقرار والإعتراف بأن محمدًا رسول الله (ﷺ) وقبول جميع ما أخبر به (ﷺ) ما صحَّ عنه  (ﷺ) والانقياد له بالطاعة فيما أمر والكف عمَّا نهى عنه وزجر، و إظهار الخضوع والطمأنينة لكل ذلك هذا هو تعريف الإيمان اصطلاحًا.

 

 

أمَّا مُسمَّى الإيمان عند أهل السُنة والجماعة أهل الحديث هو اعتقادٌ بالقلب وقولٌ باللسان وعملٌ بالجوارح والأركان يزيد بالطاعة وينقصُ بالمعصية هذا مُسمَّى الإيمان عند أهل السُنة والجماعة أهل الهدي هو اعتقادٌ بالقلب تصديقٌ بالقلب بالجنَان وقولٌ باللسان تلفظ بشهادة أن لا إله إِلا الله و أن محمدًا رسول الله وعمل بالجوارح والأركان أداء الصلاة والصيام والزكاة والحج وغير ذلك من أعمال الجوارح كل ذلك داخلٌ في مُسمَّى الإيمان عند أهل السُنة والجماعة وهذا الإيمان يزيدُ بالطاعة وينقصُ بالمعصية.

 

 

إذًا عند أهل السُنة والجماعة لا بد من اجتماع ثلاث خصال جامعةٍ لدين الإسلام وهي اعتقاد القلب و إقرار اللسان وعمل الجوارح و اعتقاد القلب؛ أي تصديق القلب وإقراره و إيقانه بالحق وتمسكه بالحق وعدمُ التردد فيه هذا اعتقاد القلب، تصديق القلب و إقراره و إيقانه بالحق وتمسكه به وعدم التردد فيه، أمَّا إقرار اللسان؛ أي النطق بالشهادتين و الإقرار بلوازمهما بالشهادتين بلوازم الشهادتين، أمَّا عمل الجوارح أي فعل المأمورات والواجبات وترك المنهيات والمحرمات كل ذلك داخلٌ في مُسمَّى الإيمان .

 

 

هذه الفصال الثلاث اشتمل عليها مُسمَّى الإيمان عند أهل السُنة والجماعة فمن آتى بجميعها فقد اكتمل إيمانه ومن آتى بواحدة أو اثنتين دون الثالثة لم يصح إيمانه عند أهل السُنة والجماعة أهل الحديث، قال الإمام الشافعي – رحمه الله – كان الإجماع من الصحابة والتابعين من بعدهم ممن ادركناهم أن الإيمان قولٌ وعملٌ ونيةٌ ولا يُجزِئُ واحد من الثلاثة إلا بالآخر، قال الإمام الشافعي – رحمه الله – كان الإجماع من الصحابة والتابعين لا يوجد خلاف إجماعُ من الصحابة والتابعين ومَنْ بعدهم ممن ادركناهم أن الإيمان قولٌ و عملٌ بالقلب وعملٌ الجوارح ونيةٌ ولا يُجزِئُ واحدٌ من الثلاثة إلا بالآخر لا بد من الثلاثة قول وعمل ونية هذا كلام الإمام الشافعي – رحمه الله – ذكره اللالكائي في شرح أصول اعتقاد أهل السُنة مجلد خامس تسعمائة وستة وخمسين.

وقال الإمام الحافظ أبو عمر بن عبد البر – رحمه الله – اجمع أهل الفقه والحديث على أن الإيمان قولٌ وعملٌ ولا عمل إلا بنية والإيمان عندهم يزيد بالطاعةِ وينقص بالمعصية والطاعات كلها عندهم إيمان هذا كلام حافظ أبي عمر بن عبد البر المُحدّث الفقيه المالكي – رحمه الله – حافظ المغرب ذكره في كتابه التمهيد المجلد التاسع مائتين وثمانية وثلاثين هذا ُمسمَّى الإيمان عند أهل السُنة والجماعة أهل الحديث اعتقاد القلب و إقرار اللسان وعمل الجوارح لا بد من الثلاث، مُسمَّى الإيمان عند أهل البدع المخالفين لأهل السُنةِ والجماعة أهل الحديث إلا أن معرفة الشر صار الآن من الواجبات لكل مسلم إذا كان حذيفةُ – رضي الله عنه – يقول كان الناس يسألون رسول الله (ﷺ) عن الخير وكنت اسألهُ عن الشر مخافةَ أن يدركني أو كما قال إلى آخر الحديث الطويل.

إذًا معرفة الخير أمر واجب ومعرفة أيضًا شر ما يقابله معرفة الإيمان ومعرفة ما ينقض هذا الإيمان من الكفر والشرك وغيره من الواجبات معرفة السُنة كذلك معرفة البدعة وهكذا فمن باب بعد أن علمنا أو عرفنا اعتقاد أهل السُنة والجماعة أهل الحديث في مُسمَّى الإيمان نعرف من خالفهم فرقةُ المُرجِئة خالفوا أهل السُنة وقالوا ” أن الإيمان هو الإقرار باللسان والتصديق بالجنان ” اخرجوا العمل بالأركان من أن يكون موردًا للإيمان سُمّوا مرجئة لأنهم ارجأوا العمل عن مُسمَّى الإيمان أخّروا العمل عن مُسمَّى الإيمان فجعلوا الإيمان مُتحققًا بلا عمل هذه فرقة قديمة وكثيرٌ من الناس لا يعرفونها هذه الفرقة لها ورثة في فكرها واعتقادها فمن الناس من يقول بهذا القول ويعتقد بهذا القول، لذلك يقول الإيمان بالقلب يكفي أنني أؤمن بالله عز وجل لا داعي للصلاة وصيام رمضان والحج وغيرها وهذا فيه شيء من الإرجاء، لأنه اخرج العمل عن مُسمَّي الإيمان، قال الإيمان في القلب إذا لا عمل بالجوارح فأخرج العمل من مُسمَّى الإيمان فهو في حقيقته من المُرجئة لكنه لا يعلم فالناس بحاجة لتعليمهم هذه العقيدة التي جاءت في كتاب الله -عز وجل – وفي سُنة رسول الله (ﷺ) وكان عليها صحابة النبي (ﷺ) وكان عليها أئِمتنا.

 

إذًا المرجئة ارجأوا العمل عن مُسمَّى الإيمان فسُمّوا مرجئة، ولذلك كل الفرق الذين خالفوا أهل السُنة والجماعة من مسمياتهم تُعرف عقائدهم، القدرية لأنهم نفوا القدر قالوا لا قدر الله – عز وجل – لا يعلم الأشياء ولا يكتُبها ولا يشاؤها ولا يخلقها سبحانه وتعالى فنفوا القدر فسمّوا قدرية، وهكذا الفرق من مُسمياتها تُعرف، ولأن معتقداتهم انتشرت بين الناس وهناك من ينشرها فلا بد للمسلم أن يعرف هذه الفرق ويعرف أيضًا عقائد هذه الفرق وقبل ذلك يعرف عقيدته فعرفنا عقيدة أهل السُنة في مُسمَّى الإيمان فالمرجئة خالفوا أهل السُنة والجماعة فجعلوا الإيمان مُتحققًا بلا عمل طبعًا هم استدلوا لمذهبهم بأدلة من أشهر أدلتهم قالوا قال الله – عز وجل – {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الشعراء : 227] فقالوا عطف العمل على الإيمان {آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فهذه واو العطف فقالوا هنا واو العطف تدل على المُغايرة آمنوا إذًا الإيمان غير العمل الصالح وهذه شُبْهَ ولو ردوا مثل هذه النصوص إلى المحكم من كتاب الله عز وجل و إلى فهم الصحابة – رضي الله عنهم – ما ضلوا وما فهموا هذا الفهم، لكن أهل السُنةِ والجماعة قالوا لهم اجابوا على وجه استدلالهم من هذه الآية أن العطف بالواو يكون أيضًا عند العرب ما بين الجزئي والكلي وما بين الكلي والجزئي فيُعطف في الخاص على العام ويعطف العام على الخاص هنا عطف الله عز وجل العمل على الإيمان من باب عطف الخاص على العام، فالعمل داخلٌ في الإيمان، فهنا ليس معناه أن الواو هنا تفيد المغايرة أن الإيمان غير العمل لا هنا واو عاطفة صحيح، لكن لا تُفيد المغايرة هي من باب عطف الخاص على العام، لأن الإيمان فيه الأعمال وفيه غير الأعمال فالعمل يُعتبر خاصٌ و الإيمان عام، فالعمل داخِلٌ في الإيمان، ومثاله قول الله – عز وجل – {حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى} [البقرة 238] فهنا واو لا تفيد المغايرة تُفيد عطف الخاص (الصلاة الوسطى) على العام (الصلوات) هذا ما فيه خلاف، فهنا الواو للمغايرة بين العام والخاص هذا جواب على شُبهتهم أو على وجه استدلالهم هذا جواب أهل السُنة والجماعة على استدلالهم.

كذلك قال الله – عز وجل – {مَن كَانَ عَدُوًّا لِّلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ} [البقرة 98] هنا أيضًا واو لا تفيد المغايرة {وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ} جبريل من الملائكة، فهنا واو وجبريل وميكائيل واو ليست للمغايرة و إنما واو عطف الخاص على العام جبريل وميكال خاص والملائكة لفظ عام يدخل فيه جبريل وميكال وملك الموت وغيرهم من الملائكة، والأمثلة كثيرة جوابًا على استدلالهم.

وقول المرجئة مُخالفٌ للكتاب والسُنة و الإجماعِ والنبي (ﷺ) ادخل العمل في مُسمَّى الإيمان فقال (ﷺ) « الإيمان بضع وسبعون أو بضع وستون شعبة، فأفضلها قول لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق، والحياء شعبة من الإيمان» فإماطة الأذى عمل من الأعمال والنبي (ﷺ) ذكره من شُعب الإيمان فالعمل داخلٌ في الإيمان والأجوبة كثيرة عليهم.

هذا الموضوع نذكر لكم مناظرة أيضًا لإمام من أئِمتنا وهو الإمام الشافعي – رحمه الله – مناظرة الإمام الشافعي لأحد المُرجئة، لأنه يتعلق فهم أئِمتنا أيضًا وجوابهم على شُبهة هؤلاء قال الإمام الشافعي – رحمه الله – لهذا المرجئ أحد المرجئة كان في زمان “ومن أين قلتَ أن العمل لا يدخل في اﻹيمان؟” الإمام الشافعي يقول لهذا المُرجئ ما هو دليلك على أن العمل لا يدخل في الإيمان؟

“قال المرجئ: من قوله تعالى: {إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات}، هذه في سورة البقرة فصار الواو فصلًا بين الإيمان والعمل، فصلًا يعني يُفيد المُغايرة، قال” فالإيمان قول، والأعمال شرائع” هذا المرجئ يقول، قال الشافعي – رحمه الله – له “وعندك الواو فصل؟” يعني تفيد المغايرة هنا دائمًا “قال المرجئ: نعم .”

فقال الشافعي – رحمه الله – هي مناظرة يدلك على ذكاء الإمام الشافعي – رحمه الله – وسعة علمه، فقال الشافعي: “فإذا كنت تعبد إلهين: إلهًا في المشرق، وإلهًا في المغرب، لأن الله تعالى يقول {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} [الرحمن : 17] شوف كيف حاجّه الإمام الشافعي – رحمه الله -، الله تعالي قال {رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ} فأنت تعبد إلهين كنت تعبد إلهين؟!

فغضب الرجل، وقال: سبحان الله! أجعلتني وثنيًا؟!

فقال الشافعي: “بل أنت جعلت نفسك كذلك!” قال: كيف؟، قال “بزعمك أن الواو فصل!”.

لأن الواو دائمًا تفيد المغايرة، فقال الرجل : فإني أستغفر الله مما قلتُ، بل لا أعبد إلا ربًا واحدًا، ولا أقول بعد اليوم : “إن الواو فصلٌ”، بل أقول : “إن الإيمان قولٌ وعملٌ، يزيد وينقص”.

تاب من الإرجاء بسبب هذه المناظرة، هذا الأثر أيضًا ذكره أبو نُعيم الأصفهاني في كتاب حلية الأولياء وطبقات الأصفياء المجلد التاسع صفحة مئة وعشرة.

 

 

إذًا هذا الإيمان عند أهل السُنة والجماعة أهل الحديث، كذلك أيضًا هذا الإيمان عند أهل السُنة والجماعة قال يزيدُ وينقص، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فأهل الإيمان عند أهل السُنةِ والجماعة أهل الحديث يتفاضلون في إيمانهم على حسب علمهم وعملهم، فبعضهم أكملُ إيمانًا بالبعض، قال تعالى {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ}  [المدثر : 31]، الله – عز وجل – يقول {وَيَزْدَادَ الَّذِينَ آمَنُوا إِيمَانًا ۙ} إذًا الإيمان يزيد، وقال رسول الله (ﷺ) : « مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِلِسَانِهِ فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَبِقَلْبِهِ وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ»، إذًا الإيمان يضعف ويقوى يزيد وينقص والأدلة كثيرة عند أهل السُنة، ومن أسباب زيادة الإيمان التقرب إلى الله – عز وجل – بالتعرف إليه وتوحيده و أداء الفرائض و إجتناب المعاصي طلب العلم النافع هذه كلها تقوي الإيمان وتزيد الإيمان، العمل بالسُنة والإقبال على الدار الآخرة والإكثار من ذكر الله والصلاة و تلاوة القرآن والدعاء التخلق بأخلاق الإسلام، الدعوة إلى الله – عز وجل – تعليم الناس دينهم، هذه كلها أسباب لزيادة الإيمان.

 

 

وهناك أسباب لنقص الإيمان الجهل بأمور الدين وعلوم الشريعة من أهم الأسباب لنقص الإيمان الابتداع في الدين، أيضًا من نقص الإيمان ترك السُنن الغفلة عن ذكر الله – عز وجل – وعن الصلاة فعل المعاصي والآثام الانشغال بالدنيا واللهو واللعب وقُرناء السوء كلها أسباب على المسلم أن ينتبه لنفسه ويقوي إيمانه، وللإيمان أيضًا نواقض ومفسدات اعتقادات أقوال أفعال تزيل الإيمان بالكلية كالرِدة والكفر الشرك الأكبر والنفاق وغيرها ليس مجالها التفصيل الآن؛ نرجع إلى الحديث بعد هذه المقدمة لعلكم استفدتم منها.

 

 

شرح حديث بني الاسلام على خمس

قال عن ابن عمر – رضي الله عنهما – قال: قال رسول الله (ﷺ) «بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ»، عبد الله بن عمر – رضي الله عنهما – معروفٌ ومن فقهاء الصحابة – رضي الله عنه – وهو ابن عمر الخطاب – رضي الله عنهما – يروي لنا هذا الحديث عن رسول (ﷺ)

قال «بُنِيَ الإسلامُ» بُنيَ من بناه هذا الإسلام؟ هو الشارع والله – عز وجل – شرع لكم من الدين فالله – عز وجل -هو الذي بنى الإسلام وهو الدين هنا الإسلام بمعنى الدين الذي بُعث به محمد (ﷺ) هذا الدين الذي بُعث به محمد (ﷺ)

بني على خمس، خمس دعائم خمسة أركان «شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ»، هنا نقف عند لفظ الإسلام، لفظ الإسلام العام؛ هناك لفظ عام للإسلام ولفظ خاص، دلت عليه الأدلة من الكتاب والسُنة، اللفظ العام للإسلام هو الذي يقبله الله – عز وجل – من العباد المُكلفين دينًا فآدم – عليه السلام – مسلم وكل الأنبياء والرُسل واتباعِهم على دين الإسلام الذي هو الإسلام العام ما هو الإسلام العام؟ الاستسلام لله بالتوحيد و الانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك و أهله، هذا الكلام ذكره الإمام الطبري – رحمه الله – في تفسيره.

إذًا هناك إسلام عام بمعنى استسلام لله بالتوحيد و الانقياد له في الطاعة والبراءة من الشرك و أهله هذا الإسلام كان عليه آدم – عليه السلام – وجميع الأنبياء والرُسل و اتباعِهم، قال الله – عز وجل – وَمَنْ {يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ } [آل عمران85] يوم القيامة لا بد من الإسلام العام هذا، {وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}.

قال الله عز وجل عن إبراهيم – عليه السلام – {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَٰكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [آل عمران 67] إذًا إبراهيم – عليه السلام – كان مسلمًا هذا المعنى الإسلام العام وهو الاستسلام لله – عز وجل – للتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءةُ من الشرك وأهله.

 

ولفظ الإسلام الخاص هو الدين الذي بُعث به محمدُ (ﷺ) وهو المراد هنا في الحديث «بُنِيَ الإسلامُ على خمسٍ» فالإسلام هو الدين الذي بُعث به محمدٌ (ﷺ) و الإسلام الذي كان عليه الأنبياء فهو من حيث التوحيد والعقيدة كالإسلام الذي بُعث به النبي (ﷺ) في أصوله، فأصول التوحيد كلها مُتحدة من آدم – عليه السلام – إلى محمد (ﷺ) كلها واحدة.

فهذا هو الإسلام واستسلام لله بالتوحيد وانقياد له بالطاعة والبراءةُ من الشرك وأهله، ولذلك قال النبي (ﷺ) : «الأنبياءُ إخوَةٌ لعَلَّاتٍ: دِينُهم واحِدٌ، وأُمَّهاتُهم شَتَّى» علّات يعني واحد عنده أكثر من زوجة فمن هذه أولاد ومن هذه أولاد هم أخوة للأب و أُمهاتهم شتى يعني الأنبياء شرائعهم شتى { لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا ۚ} [المائدة 48] فكل نبي له شريعته لكن الدين واحد وهو الإسلام هذا حديث متفقٌ عليه «الأنبياءُ إخوَةٌ لعَلَّاتٍ: دِينُهم واحِدٌ، وأُمَّهاتُهم شَتَّى» ودينهم واحد هو الإسلام.

 

فعرفنا الآن تعريف الإسلام ولفظ الإسلام العام ولفظ الإسلام الخاص، وهنا المراد بلفظ الخاص بُنيَ الإسلام يعني الدين الذي بُعث به محمد (ﷺ) على خمسة أركان، هذا الدين بُنيَ على خمسة أركان قال: «شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ» شهادة مأخوذةٌ من شهد يشهد شهودًا، وشهادةً في كلام العرب إذا علم ذلك بقلبه و أخبر بلسانه وأعلم بها غيره تكون شهادة، فلا تكن شهادة حتى تجتمع فيها هذه الثلاث اعتقاد وتلفظ وإعلام للغير فقوله شهادة أن لا إله إلا الله حتى في لغة العرب وفي أعرافهم الشاهد عند القاضي ما يُسمى شاهد إلا إذا كان علمَ يكون عالم بما يشهد ثم ينطق عند القاضي أنا أشهد بكذا يتكلم صحيح فهو اعتقاد وتلفظ و إعلام للقاضي إعلام للغير حتى يُسمى شاهد، كذلك هنا شهادة أن لا إله إلا الله حتى تشهد أن لا إله إلا الله لا بد يكون عندك هذا الاعتقاد والتلفظ بهذه الكلمة وإعلام الغير بها، أيضًا تبليغ هذه الكلمة للغير.

واقرأ أيضا:

شرح حديث ان فى الجنة غرفا يرى ظاهرها من باطنها

شرح ان الله يحب اذا عمل احدكم عملا فليتقنه

شرح حديث يتخولنا بالموعظة في الأيام كراهة السآمة علينا

شرح حديث والله في عون العبد ماكان العبد في عون أخيه

فالعلمُ بأن لا إله إلا الله يعني بأن لا إله حق إلا الله و أن محمدًا رسول الله والنطق بذلك و الإعلامُ به هذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله فمن شهد أن لا إله إلا الله أي اعتقد و اخبر بأنه لا يستحق أحد شيئًا من أنواع العبادة إلا الله وحده لا شريك له هذا يعتبر شهِد أن لا إله إلا الله اعتقد و اخبر نطق بلسانه بأنه لا يستحق أحدٌ شيئًا من أنواع العبادة إلا الله وحده لا شريك له هو المُستحق للعبادة سبحانه وتعالى هذا معنى شهادة أن لا إله إلا الله، ومن شهد أن محمدًا رسول الله أي اعتقد و اخبر وأعلنَ أن محمدًا (ﷺ) رسولٌ من عند الله حقٌ وأنه نزل عليه الوحي فهو يُبلغ عن الله تعالى رسالته، لم يأتي بشيء من عنده (ﷺ) هو رسول الله (ﷺ) والرسول يُبلّغ ما أُرسل به وأنه خاتم الرُسل (ﷺ) فمن اعتقد ذلك تمت له الشهادة.

 

 

إذًا شهادةِ أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله معناها العلم و الاعتقاد و الإخبار بأنه لا يستحق العبادة إلاّ الله عز وجل وحده لا شريك له، ويعتقد أيضًا ويُخبر ويُعلن أن محمدًا (ﷺ) رسول من عند حق وأنه نزل عليه الوحي فهو يُبلغ عن الله – عز وجل – رسالته وأنه خاتم الرُسل فمن اعتقد ذلك تمت له الشهادة، ومقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله هو طاعته فيما أمر، كَم من الناس الآن من المسلمين يقول أنا أشهد أن محمدًا رسول الله فإذا قلت له قال رسول الله (ﷺ) كذا أمر بكذا لا يأتمر بالأمر لا يأتمر بالأمر مُقتضى شهادةِ أن محمد رسول الله هو طاعته فيما أمر وتصديقه فيما اخبر إذا صحَّ الحديث فأقبله ولا تتردد في قبوله والعمل بهِ، «من رَدَّ حديثَ رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فهو على شَفَا هَلَكةٍ» كما قال الإمام أحمد بن حنبل – رحمه الله – مقتضى شهادة أن محمدًا رسول الله هو طاعته فيما أمر وتصديقه فيما اخبر و اجتنابُ ما نهى عنه وزجر و أن لا يُعبد الله إلا بما شرعه رسول الله (ﷺ) فعلى المسلم أن يُراجع نفسه إذا تقرب إلى الله – عز وجل – في أي نوع من أنواع العبادات يعرضها هذه العبادة على سُنةِ رسول الله (ﷺ) هل على هذه العبادة دليل؟ هل صحَّ فيها حديث عن رسول الله (ﷺ)؟ فإذا صحَّ عن رسول الله (ﷺ) فيها شيءٌ فيجب عليه اتباع ما صحَّ عنه (ﷺ) فلا يُعبد الله – عز وجل- إلّا بما شرعه رسول الله (ﷺ) هذا مقتضى شهادة أن لا إله إلّا الله وأن محمدًا رسول الله.

 

 

قال بعد ذلك «وإقامِ الصَّلاةِ» أي أداء الصلوات الخمس المفروضة حسب شروطها و أركانها وواجباتها، فالصلاة عمود الدين و أول ما يُحاسب عليه العبد يوم القيامة وتأتي شروط و أركان وواجبات الصلاة فيما يأتي من أبواب في هذا الكتاب العظيم، قوله « وإيتاءِ الزَّكاةِ » أي أداء الزكاة بشروطها وأسبابها وحسب ما صحَّ من الأدلة فيها، ويأتي أيضًا تفصيل الزكاة وأنواعها وشروطها في هذا الكتاب أيضًا في كتاب الزكاة.

 

 

 

قوله «وحجِّ» أي إلى بيت الله الحرام في العمر مرة واحدة وحسب شروطه و أركانه وواجباته، وأيضا سيأتي كتاب الحج في هذا الكتاب

قوله (وصوَمِ رمضانَ) في كل عام للبالغ العاقل القادر حسب الشروط و الأركان و ما جاء أيضًا من مُبطلات لهذه الأركان سيأتي الكلام عنها في كتاب الصيام وهكذا هذه الخمس هي أركان الإسلام التي جاءت في هذا الحديث «شَهادةِ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ وإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ وصَومِ رمضانَ وحجِّ البيتِ لمنِ استطاعَ إليهِ سبيلًا» كما جاء في رواية هذا الحديث وصوم رمضان و أكثر الأحاديث جاء الترتيب فيها تأخير الحج، صوم رمضان ثم الحج وهذا هو الصحيح، أمَّا تقديم الحج فهو تصرفٌ من بعض رواة الحديث، تصرفٌ من بعض رواة الحديث قدَّموا الحج على صيام رمضان، هذه كفائدة هذه الخمس هي أركان الإسلام فمن انكر واحدة منها فهو غير مسلم إذا توفرت فيه الأسباب والشروط وانتفت عنه الموانع وهي تحتاج إلى تفصيل في درسٍ آخر وتأتي أحكام هذه العبادات في الكتب و الأبواب القادمة إن شاء الله تعالى.

 

وبذلك انتهينا من شرح الحديث الأول من كتاب الإيمان، ونكتفي بما ذكرنا لعل الله – عز وجل – ينفعنا بما سمعنا ونسأل الله – عز وجل – الفقه في دينه نسأل الله الثبات نسأل الله أن يوفق ولاة أمورنا لِما يُحبه ويرضاه ويسددهم ويحفظ بلادنا دولة الإمارات وبلاد المسلمين من كل سوء ومن كل فتنة وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين صلى الله على محمد و على أهله و صحبه وسلم.

Scroll to Top