شرح حديث ان الله لا يمل حتى تملوا
عن عائشة -رضي الله عنها- “أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ: مَن هذِه؟ قَالَتْ: فُلَانَةُ، تَذْكُرُ مِن صَلَاتِهَا، قَالَ: مَهْ، علَيْكُم بما تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لا يَمَلُّ اللَّهُ حتَّى تَمَلُّوا وكانَ أحَبَّ الدِّينِ إلَيْهِ مَادَامَ عليه صَاحِبُهُ”.
ثم هذه الترجمة باب (أَحَبُّ الدين إلى اللّٰه أدْوَمَه)
معنى (أدْوَمَه ): أي ما داوم عليه صاحبه حتى ولو كان العمل قليلًا،
أما إذا يأتي الإنسان إلى عمل كبير جدًا ويقوم به يوم أو يومين أو أكثر أو أقل ثم يتركه أو ينقطع عنه ويمل من العبادة فمثل هذا لا يحبه الله -سبحانه وتعالى- من عبده.
يحب الله -سبحانه وتعالى- من عبده أن يكون العمل مداومًا عليه -حتى لو كان العمل قليلًا- ولهذا الأوْلى بالإنسان في العبادة أن يتدرّج ويترقّى في الزيادات، في النوافل بحسب ما يرى نفسه تحتمله من ذلك.
فمثلًا إن كان قراءة القرآن يجعل حصته كل يوم قراءة صفحة واحدة ويمضي على ذلك وقتًا، فإن وجد من نفسه نشاطًا لأَزْيَد زاد أخرى وهكذا..
أو مثلًا صلاته أو صيامه وهكذا يتدرّج بنفسه لا أن يأخذ عملًا كثيرًا يعزم عليه ثم يجد نفسه لا يطيق فينقطع ويسأم.
فأَحَبُّ الأعمال إلى الله أدومه ولو كان العمل قليلًا هذا نستفيد منه أن من الإيمان الذي يحبه الله من عبده
شرح حديث ان الله لا يمل حتى تملوا
وأورد تحته حديث عائشة -رضي الله عنها- “أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ دَخَلَ عَلَيْهَا وعِنْدَهَا امْرَأَةٌ، قَالَ: مَن هذِه؟ قَالَتْ: فُلَانَةُ، تَذْكُرُ مِن صَلَاتِهَا، قَالَ: مَهْ، علَيْكُم بما تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لا يَمَلُّ اللَّهُ حتَّى تَمَلُّوا وكانَ أحَبَّ الدِّينِ إلَيْهِ مَادَامَ عليه صَاحِبُهُ”.
( تَذْكُرُ مِن صَلَاتِهَا ) “ جاء في بعض الروايات أنها قالت لا أنام بالليل يعني تُصلّي الليل لا تنام.
مه عليكم بما تطيقون
فعرّفت بها بوصفها -ذكرت ذلك ثناءً عليها- فقال النبي -ﷺ- “مه” وهذه الكلمة كلمة زجر، ويُحتمل أن يكون المقصد من هذا الزجر زجر عن المدح في الوجه والثناء على شخص في وجهه وبحضرته، جاء في بعض الروايات ما يفيد أن عائشة قالت هذا الثناء بعد أن خرجت المرأة فإن ثبت ذلك فقد زال هذا الاحتمال.
والاحتمال الثاني أن الزجر هنا مُنْصَب على الصنيع نفسه وهذا يوضحه أيضًا تتمة الحديث
وقال النبي -ﷺ- هذه الكلمة التي هي كلمة زجر لأن هذا العمل ليس وفق الهَدْي الذي كان عليه، وقد قال -ﷺ- أما أنا فأصلي وأرقد -أي لا يجعل الليل كله صلاة- وخير الهَدْي هديه -ﷺ- بل في مثل هذا المقال قال -ﷺ- “فمَن رغِب عن سنَّتي فليس منِّي”
(علَيْكُم بما تُطِيقُونَ) -أي من العمل- وينتبه هنا إلى قضية المداومة، إذا أخذ الإنسان من العمل ما يطيق وداوم عليه فهذا أَحَبُّ إلى اللّٰه -عز وجل-
( علَيْكُم بما تُطِيقُونَ، فَوَاللَّهِ لا يَمَلُّ اللَّهُ حتَّى تَمَلُّوا )
الملل معروف وهو السّآمة، وجاء أيضًا في بعض الروايات لا يسأم الله حتى تسأموا.
والملل والسآمة هما بمعنى واحد
والقاعدة عند أهل السنّة -فيما جاء من الأحاديث المتعلقه بالصفات- أن تمر كما جاءت وأن يؤمن بها كما وردت وألا يشتغل بتأويلها أو صرفها عن ظاهرها، وأن يعتقد أن ما أُضِيف إلى الله -سبحانه وتعالى- من وصف فهو يليق به -سبحانه وتعالى-
فالقول (لا يَمَلُّ اللَّهُ حتَّى تَمَلُّوا ) كالقول( نَسُواْ ٱللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) وقوله ( اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)، كل ذلك على وجه المقابلة.
فإذا ملَّ الإنسان من العمل والعبادة والطاعة، قابله ذلك ماذكره النبي -ﷺ- أن الله -عز وجل- يَمَل وأثر ذلك-أي من الثواب لهذا الشخص- لأنه إذا انقطع العمل انقطع الثواب
فما يُضاف إليه -سبحانه وتعالى- من صفات فهو يخصه -جل علاه- ويليق بجلاله وكماله ليست كصفات المخلوقات، والقول فيه كالقول فيما جاء على وجه التقييد والمقابلة.
قال (وكانَ أحَبَّ الدِّينِ إلَيْهِ مَادَامَ عليه صَاحِبُهُ)
(أحَبَّ الدِّينِ إلَيْهِ ) أي إلى الله -سبحانه وتعالى- أو إلى الرسول -ﷺ- وحُبّه مِن حُب الله -سبحانه وتعالى-
( مَادَامَ عليه صَاحِبُهُ) أي وإن قلّ العمل،
كوْن الإنسان يصلي ركعتين ويداوم عليهن خير من أن يصلي ركعات طويلة فيصلّيها ليالٍ، ثم ينقطع عنها.
(مستفاد من كلام الشيخ عبد الرزاق / بتصرف وزيادة)
واستفد أيضا من هذه المقالات النافعة:
إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا فليتقنه
شرح حديث ان الله لا يمل حتى تملوا
قال الإمام الزبيدي -رحمه اللّٰه- تحت ترجمة البخاري في كتاب الإيمان، بابٌ “الصلاة من الإيمان”
يَروي البَراءِ بْنُ عازِبٍ -رَضيَ اللّٰه عنه- أن النبي -ﷺ- كانَ أوَّلَ ما قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ علَى أجْدَادِهِ، أوْ قالَ أخْوَالِهِ مِنَ الأنْصَارِ، وأنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وكانَ يُعْجِبُهُ أنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وأنَّهُ صَلَّى أوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ العَصْرِ، وصَلَّى معهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى معهُ، فَمَرَّ علَى أهْلِ مَسْجِدٍ وهُمْ رَاكِعُونَ، فَقالَ: أشْهَدُ باللَّهِ لقَدْ صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كما هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وكَانَتِ اليَهُودُ قدْ أعْجَبَهُمْ إذْ كانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ، وأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا ولَّى وجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ، أنْكَرُوا ذلكَ.
الحمد للّٰه رب العالمين وأشهد أن لا إله إلا اللّٰه وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلّى اللّٰه وسلم عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين، أما بعد..
هذه الترجمة بابٌ “ الصلاة من الإيمان “
عقدها الإمام البخاري -رحمه الله- في كتاب الإيمان من كتابه الصحيح؛ لبيان مكانة الصلاة مِن الإيمان وأن الصلاة إيمان وشُعبة من شُعب الإيمان،
وأن العمل -ومنه الصلاة- داخلٌ في مُسمى الإيمان خِلافًا لهؤلاء الذين أَخرجوا العمل من مسمى الإيمان.
فالصلاة إيمان وهي عمل وهي داخلة في مسمى الإيمان، فهذه الترجمة عقدها -رحمه الله- لبيان ذلك -أي الصلاة هي عمل من أعمال الإيمان-
و أورد -رحمه اللّٰه تعالى- في الترجمة قول اللّٰه -عز وجل- ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ).
(إيمانكم) في هذه الآية أي الصلاة حيث سَمّى الصلاة إيمانًا، وهذا دليل صريح على أن الصلاة إيمان والصلاة عمل لكن سماها الله -تبارك وتعالى- إيمانًا.
فالإيمان ليس العقيدة التي في القلب فقط بل الأعمال التي تكون بالجوارح ومنها الصلاة، فالإيمان قول واعتقاد وعمل.
تغيير القبلة
أورد -رحمه اللّٰه تعالى- تحت هذه الترجمة حديث البراء بن عازب -رضي الله عنه- أن النبي -ﷺ- كانَ أوَّلَ ما قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ علَى أجْدَادِهِ، أوْ قالَ أخْوَالِهِ مِنَ الأنْصَارِ، وأنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وكانَ يُعْجِبُهُ أنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وأنَّهُ صَلَّى أوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ العَصْرِ، وصَلَّى معهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى معهُ، فَمَرَّ علَى أهْلِ مَسْجِدٍ وهُمْ رَاكِعُونَ، فَقالَ: أشْهَدُ باللَّهِ لقَدْ صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كما هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وكَانَتِ اليَهُودُ قدْ أعْجَبَهُمْ إذْ كانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ، وأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا ولَّى وجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ، أنْكَرُوا ذلكَ.
قال أخواله أو أجداده لأن الأنصار أقرباء النبي -ﷺ- من جهة أمه وأنه -ﷺ- صلى قِبَل البيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا.
النبي -ﷺ- منذ وصل إلى المدينة وهو يصلّي قِبَل المقدس واستمر على هذه الصلاة ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا.
وأي إجماع لأهل العلم بتحويل القبلة إلى الكعبة كان في السنة الثانية من الهجرة، ولكن هل هو في جُمادى الآخرة أو رجب أو شعبان؟
ثلاثُ أقوالٍ لأهل العلم وجمهور أهل العلم على أن التحول كان في شهر رجب من السنة الثانية من الهجرة.
وكان يعجبه أن تكون قبلته قِبَل البيت و كان -ﷺ- كما ذكر الله -عز وجل- ” قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ وَإِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ ۗ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ (144)”
كان النبي -ﷺ- قام في قلبه حرص عظيم أن تكون القبلة إلى جهة الكعبة وكان ينتظر أن ينزل عليه شئ ويقلِّب -ﷺ- نظره طمعًا وأملًا أن يُنزّل الله -سبحانه وتعالى- عليه شيئًا بحيث تكون القبلة إلى الكعبة لا إلى البيت المقدس.
وكان يعجبه -ﷺ- أن تكون قبلته إلى البيت -أي إلى جهة الكعبة وأنه صلّى أول صلاة صلّاها صلاة العصر أي إلى جهة الكعبة.
وهذا كما عرفنا أنه في السنة الثانية من الهجرة وفي شهر رجب على قول أغلب أهل العلم.
تغيير القبلة أثناء الصلاة
وصلى معه -ﷺ- قوم فخرج رجل ممن صلى معه فمرّ على أهل مسجد وهم راكعون، فقال: أشهد بالله -أي أحلف بالله- لقد صليت مع رسول -ﷺ- قِبَل مكة أي إلى جهة الكعبة.
وقيل أن هذا الرجل عبّاد بن بِشْر أو عباد بن ناهيك.
فداروا كما هم قِبَل البيت، شخص واحد شهد هذه الشهادة وسمعوه منه وهم يصلون فتحولوا في ساعتهم في صلاتهم إلى جهة الكعبة.
ومعلومٌ أن الشام في المدينة إلى الجهة المعاكِسة أي أن مَن يُصلّي في المدينة القبلة الأولى وراءه تمامًا.
معنى ذلك أنهم استداروا من جهة إلى جهة أخرى معاكِسة لها من الشمال أي اتجهوا إلى جهة الجنوب.
قالوا: وكانت اليهود قد أعجبهم إذ كان يُصلّي -ﷺ- قِبَل البيت المقدس، فلمًا ولّى وجهه -ﷺ- قِبَل البيت أنكروا ذلك بل أخذوا يعيبون النبي -ﷺ- ويطعنون فيه.
فمَن مات يُصلّي إلى جهة بيت المقدس قَبْل أن تُحوّل القبلة، لا تضيع صلاته، وتلك الصلاة إنما كان يصليها بأمر الله -سبحانه وتعالى- ولو أن أحدًا منهم في ذلك الوقت صلّى إلى جهة الكعبة لم يكن جائزًا له أن يفعل ذلك؛ لأنه لم يُؤمَر بذلك، فتلك صلاة أُدّيَت وِفْق أمر اللّٰه -عز وجل- وهي لا تضيع.
فلمّا حَارَ الصحابة في أمر أولئك أنزل الله -سبحانه وتعالى- قوله ( وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَّحِيمٌ ).
وهذا القدر الذي أورده ليس معلقًا وإنما هو مسند متصل بالإسناد نفسه، فكان حقه أن يثبت في هذا المختصر؛ لأنه في الإسناد نفسه.
كما نبّه على ذلك الحافظ بن الحجر وهو ليس معلقًا وإنما بالإسناد نفسه فحقه أن يذكر في هذا المختصر لا سيما أنه يتضح به الشاهد من الحديث للترجمة حيث قال: (فلم ندري ما تقرأ فيهم)، فأنزل اللّٰه (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ) أي ما كان اللّٰه ليضيع صلاتكم.
والنبي -ﷺ- في هذا المسجد -المسجد النبوي- كان أولًا يصلي إلى جهة بيت المقدس ثم بعد التحويل صار يصلّي إلى جهة الكعبة.
قَوْل مثل ذلك في جميع المساجد التي كانت في المدينة في ذلك الوقت، كانت الصلاة فيها أولًا إلى جهة بيت المقدس ثم بعد تَحوُّل القبلة أصبحت الصلاة إلى جهة الكعبة.
وهذا نستفيد منه استفادة مهمة وأيضًا نعالج به خطأً شائعًا،
أي أنه لو كان هناك مسجدًا في المدينة اختصّ بفضيلة لكونه -ﷺ- صلّى فيه إلى القبلتين لكانت هذه الفضيلة لأي مسجد؟
المسجد النبوي صلّى فيه إلى القبلتين، ومسجد قِباء صلّى فيه إلى القبلتين، وجميع المساجد في المدينة صلّى فيها إلى القبلتين،
فليس هناك مسجد يختص بفضيلة كونه صلى فيه إلى القبلتين.
قال -رحمه الله تعالى- تحت ترجمة البخاري باب (حسن إسلام المرء) عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله -ﷺ- يقول: “إِذَا أسْلَمَ العَبْدُ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ، يُكَفِّرُ اللَّهُ عنْه كُلَّ سَيِّئَةٍ كانَ زَلَفَهَا، وكانَ بَعْدَ ذلكَ القِصَاصُ: الحَسَنَةُ بعَشْرِ أمْثَالِهَا إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، والسَّيِّئَةُ بمِثْلِهَا إلَّا أنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا.
هذه الترجمة باب (حُسن إسلام المرء) عقدها الإمام البخاري -رحمه الله تعالى- في كتابه (الإيمان)؛ لبيان أن حُسن الإسلام سواء كان الحُسن الواجب أو الحُسن المستحب
الحُسْن الواجب: هو أن يكون صاحبه مقتصدًا بأن يفعل الواجب ويترك المُحرّم، ولكن هناك إحسان أكمَل وأرفَع وهو إحسان السابقين بالخيرات، أي إن كان الإحسان فهو من الإسلام، إحسان المرء في إسلامه فهو من الدين والإيمان الذي تعلو به الدرجات وترتفع له الدرجات.
أورد – -رحمه الله تعالى- تحت هذه الترجمة حديث عن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- أنه سمع رسول الله -ﷺ- يقول: “إِذَا أسْلَمَ العَبْدُ فَحَسُنَ إسْلَامُهُ، يُكَفِّرُ اللَّهُ عنْه كُلَّ سَيِّئَةٍ كانَ زَلَفَهَا، وكانَ بَعْدَ ذلكَ القِصَاصُ: الحَسَنَةُ بعَشْرِ أمْثَالِهَا إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، والسَّيِّئَةُ بمِثْلِهَا إلَّا أنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا.
(فَحَسُنَ إسْلَامُهُ) هذه تفيد أن أهل الإسلام يتفاضلون في الإسلام، ولو لم يكونوا يتفاضلون في الإسلام ما معنى أن يُقال حَسُن إسلامه!
(يُكَفِّرُ اللَّهُ عنْه كُلَّ سَيِّئَةٍ كانَ زَلَفَهَا) وجاء في بعض المصادر الأخرى -التي رَوَت هذا الحديث- الجمع بين الحسنة والسيئة، كُتب له حسنة زلفها وكُفِّر عنه كل سيئة.
فالحسنة تُكتب له والسيئة تُمحى عنه، مثل أثناء كفره كان بارًا بوالديه، إذا مات على الكفر لن ينتفع بها إنما لو مات على الإسلام كُتبت له.
(زَلَفَهَا) أي أسلفها أو قدّمها.
(وكانَ بَعْدَ ذلكَ القِصَاصُ ) أي كتابة المجازاة؛ لأن الإسلام محى عنه الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، والسيئة بمثلها.
(إلَّا أنْ يَتَجَاوَزَ اللَّهُ عَنْهَا) وفي رواية اخرى إلا أن يغفر الله له وهو الغفور .
هذا الحديث ساقه لما فيه من شاهد على الترجمة من عِظم شأن حُسْن الإسلام، وما يترتب عليه من الآثار العظيمة والثواب الجليل من تكفير للسيئات وأيضًا كتابة الحسنات التي كان فعلها في الجاهلية.
مما ينبه عليه هنا أن هذا الحديث لم يَروِه الإمام البخاري -رحمه الله- متصلًا بل علقه ولم يوصله كما نبه الحافظ في فتح الباري في موضع آخر من كتابه الصحيح .
ومر ّمعنا أن المصنف أو المختصر الزبيدي -رحمه الله- قال: ولا أذكر من الأحاديث إلا ما كان مسندًا متصلًا، وأما ما كان مقطوعًا أو معلّقًا فلا أتعرّض له، فإذا هذا الحديث ليس على شرطه في هذا المختصر؛ لأن البخاري -رحمه الله- رواه معلقاً ولم يرْوِه متصلًا .
وروى الإمام البخاري بعده بسند متصل عن أبي هريرة -رضي الله عنده- قال رسول الله -ﷺ- “إِذَا أحْسَنَ أحَدُكُمْ إسْلَامَهُ: فَكُلُّ حَسَنَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ له بعَشْرِ أمْثَالِهَا إلى سَبْعِ مِئَةِ ضِعْفٍ، وكُلُّ سَيِّئَةٍ يَعْمَلُهَا تُكْتَبُ له بمِثْلِهَا”.
وهذا ساقه بالسند المتصل وكان حق المختصر أن يثبت هذه الرواية عن أبي هريرة ولا يثبت الرواية التي عن أبي سعيد؛ لأنها رواها الإمام البخاري -رحمه الله- تعليقًا.