شرح حديث القاتل والمقتول في النار
حديثنا اليوم حديث الرسول صلى الله عليه وسلم” القاتل والمقتول في النار”، ولكون هذا الحديث من أشد الأحاديث التي استغلها أهل البدع والأهواء وأعداء الدين في الطعن بالصحابة رضوان الله عليهم، لهذا سنتدارسه اليوم ونرد عليهم شبهاتهم ونشرح ما معنى الحديث ونرد على شبهة ذكرت عن الحديث في المقال التالي.
متن حديث القاتل والمقتول في النار
عن الأحنف بن قيس قال: خرجتُ وأنا أريدُ هذا الرجلَ، فلقيني أبو بكرة، فقال: أين تريد يا أحنف؟ قال: قلتُ: أريد نصرَ ابنِ عمِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم -يعني عليا-، قال: فقال لي: يا أحنفُ ارجع، فإني سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إِذَا تَوَاجَهَ الْمُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا، فَالْقَاتِلُ وَالْمَقْتُولُ فِي النَّارِ»، قال: فقلت -أو: قيل-: يا رسول الله، هذا القاتل، فما بال المقتول؟! قال: «إِنَّهُ قَدْ أَرَادَ قَتْلَ صَاحِبِهِ».
ما صحة حديث القاتل والمقتول في النار
حديث القاتل والمقتول في النار هو من أعلى درجات صحة الأحاديث، لكون الذي رواه هما الإمامين البخاري ومسلم في صحيحهما، وهما أصح كتابين بعد كتاب الله عز وجل.
ولقد اهتم العلماء بتوضيح المقصد الشرعي من حديث القاتل والمقتول في النار، لعظم الأحكام والفوائد المستخرجة من الحديث، والرد على الشبهات المغرضة من أعداء الدين بالطعن في صحة الحديث وقذفوا بالشبهات فيه، وهذا سيأتي شرحه الآن بأمر الله تعالى.
والحديث صحيح، وهو في أعلى درجات الصحَّة؛ إذ رواه البخاري ومسلم في صحيحيهما اللَّذين هما أصحُّ الكتب بعد كتاب الله تعالى؛ وقد اهتمَّ العلماء ببيان معناه الشرعيّ، والفوائد المستفادةِ منه، والوقوفِ على معارضاتِ أهل البدع له، وتفنيد شبهاتهم، وهو ما سيأتي الكلام عنه فيما يلي، بأمر الله تعالى.
اقرأ أيضا: ما تواضع أحد إلا رفعه الله
من راوي حديث القاتل والمقتول في النار
راوي هذا الحديث هو أبو بكرة وأبو موسى، والحديث أخرجه الشيخان البخاري ومسلم.
شبهة حديث القاتل والمقتول في النار
لكي نرد على شبهة طعن المغرضين في الطعن بصحة حديث القاتل والمقتول في النار، حيث حاول بعض الخوارج وأهل البدع وغيرهم في أن يستخدموا الحديث للطعن في الصحابة رضوان الله عليهم، للمواقع التي حدث فيها خلاف فيما بينهم، واتهامهم بأن القتال موجب للكفر.
ولكي نرد تلك الشبهة سنلجأ للنقاط التالية، التي ستجعلنا بفضل الله نرد الشبهة في نحرهم، وليكن الرد على النحو التالي:
فأبرز ما نرد الله عليهم به بأن جميع أهل السنة والجماعة اتفقوا جميعًا بأن الصحابة أجمعين هم أفضل من طلعت عليهم الشمس بعد الأنبياء والرسل، والدماء التي وقعت بينهم من خلاف ليست من ضمن حكم حديث القاتل والمقتول في النار، لكون القتال الذي وقع بين (بعضهم) ليس لمتاع دنيا أو لمنصب أو جاه لكنه كان ناتجا عن تأويل، وأنهم بالرغم من ذلك كانوا مجتهدين في الحرص والحفاظ على حد الله وشرائعه، كما كان للمغرضين دور في اشعال الفتنة.
ووقوع صحابي في ذلك القتال فقد يكون من فهم خاطئ أو عدم علم بأمر من أمور الدين، وقد يكون الطرف الآخر من الصحابة هو المصيب ومعه الحق
على هذا فإن القاتل والمفتول منهم في الجنة، لأنه مجتهد في تنفيذ شرع الله وإقامة حدوده، ونسأل الله عز وجل أن يتغمدهم برحمته وعفوه عنهم، لأن لولاهم لما وصل إلينا الدين.
فهم سبب من أسباب رفع الجهل عنا بل هم عماد ديننا الذي نهتدي به ونفهم منه مراد الله تعالى و رسوله لما حافظوه وحموه بدمائهم وأرواحهم في كتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم.
ونستدل على ذلك بقول شيخ الإسلام ابن تيمية في بيان الطائفة المحقة من الطائفتين: “مع العلم بأن عليًا وأصحابه هم أولى الطائفتين بالحق؛ كما في حديث أبي سعيد لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عَلى حِين فُرْقَةٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فيَقْتلهُمْ أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ»، وهذا في حرب أهل الشام، والأحاديث تدل على أن حرب الجمل فتنة، وأن ترك القتال فيها أولى، فعلى هذا نصوص أحمد، وأكثر أهل السنة”.
هذا ما أمرنا الله سبحانه وتعالى به في حق الصحابة رضوان الله عليهم، وهذا ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة وتمسكوا به امتثالا لأمر الله تعالى فيهم:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [الحشر: 10]
اطلع على: شرح حديث الحمو الموت
ما معنى القاتل والمقتول في النار؟
نستعرض الآن معاني كلمات الحديث، على النحو التالي:
- التقى المسلمان: أي التقى المسلمان وكان كل منهما متعمد قتل صاحبه.
- بسيفيهما: ذكر السيف هنا سبيل على التمثيل، وليس على محمل تعيين القتل بالسيف وحده، فاستخدام السيف فقط وحده الموجب لحكم الله سبحانه وتعالى فيهما، ولكن استخدام أي أداة قتال وإن كانت عن بعد فهي موجبة حكم الله فيهما أنهما الاثنين في النار.
- فما بال: فالبال هنا المقصود به الحال والشأن.
- كان حريصا على قتل صاحبه: أي كان لديهم الرغبة الشديدة وعقدوا العزم والنية على أن يتخلص كل منهما من الآخر.
حديث مهم: الراحمون يرحمهم الرحمن
شرح حديث القاتل والمقتول في النار
أن الله سبحانه وتعالى نهى سفك الدماء وحرمه، بل وجعله من أكبر المعاصي وجعل صاحبه في عذاب الله في الآخرة، ولهذا قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم فالقاتل والمقتول في النار.
لأن الاثنين سيجمعهم نفس العقاب لحرص كلاً منهما على قتل الآخر، فالقاتل سيعاقب لقتل أخيه، أما المقتول سيعاقب على نيته وعزمه وحرصه على قتل أخيه المسلم.
حيث كان دافعهم وحرصهم على قتل البعض نتيجة لصراع أو خلاف في أمر من أمور الدنيا.
وهذا ما ذهب عليه جمهور الصحابة وخالفهم فيها أبو بكرة، حيث أنه حمل معناه ومراد الرسول صلى الله عليه وسلم في المطلق، وأنه يجب على المسلم ترك الفتن في الدين أو الدنيا.
وأن عقاب من دخل في الفتنة وقاتل أخيه سيكون هو والمقتول في النار، لذلك اعتزل أبو بكرة الفتن وبعد عنها.
أما إن كان الخلاف بينهم على حق من حقوق الآخر، فيجب أن يلجأوا لحكم الله ويذهبوا لمن يحكم بينهم وأن ينصفوا الطرف المظلوم عن الظالم، فإن بغى الطرف الظالم كان واجبا عليهم أن ينصفوا الطرف المظلوم وينصرونه.
ذلك امتثالًا لقول الله تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الحجرات: 9].
فطانة المؤمن: لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين
هل القاتل والمقتول مخلدين في النار؟
لكن ترى هل معنى القاتل والمقتول في النار يفيد الخلود في جنهم، أو يعني أنهم بذلك الفعل قد خرجوا من دين الله عز وجل وكفروا به؟.
والإجابة أن معناه، لا يعني خلود الأبدي للقاتل والمقتول فيها، بل معناه أنهما قد فعلوا كبيرة من الكبائر الموجبة لعقاب الله وهي الدخول في النار.
شأنها شأن أي كبيرة في الإسلام، فلا يخرج فاعلها من الدين ولا يخلد في النار، وهم في مشيئة الله ورحمته فإن شاء غفر لهما وإن شاء عذبهم. وربما يعذب أحدهما ويشاء أن يعفو عن الآخر برحمته وعفوه عنه لأمور يعلمها وحده.
لا تنس الشكر: شرح حديث من لا يشكر الناس لا يشكر الله
فوائد حديث القاتل والمقتول في النار
سنجد الكثير من الفوائد والعبر التي نستلهمها من حديث القاتل والمقتول في النار، والتي يمكن لنا تلخيصها لك على النحو التالي:
- أن الله سبحانه وتعالى سيعاقب العباد على الذنوب والمعاصي المستوطنة في قلوبهم وباشروا بالأسباب، حتى وإن لم يقوموا بفعلها بما أنه لم يمنعهم من فعلها خوف من الله أو توبة من ذنبها والرجوع عنها، فكون المعصية عالقة بالقلب وبدأ في البحث عن سبل تنفيذها فهو آثم بها إن عزم على فعلها بقلبه ولم يباشر الأسباب وتركها ففي هذه الحالة لن يأثم بإذن الله.
- الترهيب من القتال بين المسلمين لعظم الفعل وخطورته على الدين والأمة الإسلامية بأسرها، لهذا جاء الوعيد في حديث القاتل والمقتول في النار، شديد وغليظ حتى لا يتهاون أحد الطرفين بالفعل ثم الإقدام عليه.
- في حديث القاتل والمقتول في النار أبلغ رد على المعتزلة، بكون أهل المعاصي مخلدون في النار، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في النار ولم يلحق بها كلمة التخليد، وهذا لأنه لا يلزم دخول النار الاستمرار بها، إلا بوعيد من الله سبحانه وتعالى أو رسوله بها.
مكانة صديق الأمة: شرح حديث لو كنت متخذا خليلا لاتخذت أبا بكر خليلا
لا يجتمع القاتل والمقتول في النار
كيف لنا أن نجمع بين حديث النبي صلى الله عليه وسلم لا يجتمع القاتل والمقتول في النار، وهو حديث صحيح وبين حديث القاتل والمقتول في النار وهو أيضاً حديث صحيح؟
نجمع بينهم من ثلاث أوجه:
كما قال الإمام النووي رحمه الله: “قال القاضي يحتمل أن هذا مختص بمن قتل كافراً في الجهاد، فيكون ذلك مكفراً لذنوبه حتى لا يعاقب عليها أو يكون بنية مخصوصة أو حال مخصوصة،
ويحتمل أن يكون عقابه إن عوقب بغير النار كالحبس في الأعراف عن دخول الجنة أولاً ولا يدخل النار
أو يكون إن عوقب بها في غير موضع الكفار ولا يجتمعان في إدراكها”.
لا تفوت قراءة: سيأتي على الناس سنوات خداعات
كيف يكون القاتل والمقتول في الجنه؟
لعلك تتساءل عن قول النبي صلى الله عليه وسلم: “يضحك الله إلى رجلين يقتل أحدهما الآخر يدخلان الجنة، يقاتل هذا في سبيل الله فيقتل، ثم يتوب الله على القاتل فيقاتل فيستشهد” وهو حديث في الصحيحين.
حيث يضحك الله ضحك يليق بجلال وجه وعظيم سلطانه دون تشبيه أو تعطيل أو تمثيل، عن رجل مسلم يقتله كافر فيستشهد في سبيل الله، ثم يدخل ذلك الكافر الإسلام فيقاتل في سبيل الله فيستشهد ويدخل هو الآخر الجنة.
في ختام دراسة حديثنا اليوم القاتل والمقتول في النار، نرجوا أن نكون قد أوضحنا لك مامدى صحة الحديث، والرد على هل هما مخلدين في النار؟ وهل هناك سبيل أن يدخلا الجنه.