الحديث النبوي: العين حق
عن عبد الله بن عباس عن النبي ﷺ قال: “الْعَيْنُ حَقٌّ، وَلَوْ كَانَ شَيْءٌ سَابِقَ الْقَدَرِ سَبَقَتْهُ الْعَيْنُ، وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا”.
النظرات، الأقوال، النوايا.. لأدق التفاصيل وضع الإسلام الخطوط العريضة للتعامل بين البشر، ولأن الوحيين هما مسلك التهذيب، ولأن التهذيب مسلك الصالحين، كان دواء النفس أن تهتدي إلى التبريك.
صحابي حديث العين حق
عبد الله بن عباس بن عبد المطلب بن هاشم، ابن عم النبي ﷺ، وأمه لبابة بنت الحارث أخت ميمونة بنت الحارث زوج النبي ﷺ، وُلد عبد الله قبل الهجرة بثلاث سنوات، وأسلم قبل أبويه وهاجر معهما إلى المدينة في فتح مكة عام 8 هجرية، دعا له النبي ﷺ وقال: “اللهم علّمه الحكمة” فكان حبر الأمة وترجمان القرآن، حرص ابن العباس على طلب العلم وسعى في نشره، وكان من المكثرين لرواية الحديث، فقد بلغ عدد مروياته عن النبي ﷺ 1660 حديثًا، وكان أكثر الناس علمًا وفقهًا في كتاب الله، مرِض ابن العباس وفَقَدَ بصره في أواخر حياته، ومات بالطائف عام 68 من الهجرة عن 71 عامًا.
في ظلال حديث العين حق
العين هي استعظام الشيء والإعجاب به دون حقد أو غل، وقد تقع من الشخص الصالح وليس الحقود، فهذا يدعى عائن –فالعائن من يصيب بعينه- وهي ضرر أو أذى يصيب الإنسان والحيوان، وذلك بأن يصيبه مرض أو موت، ولذلك نبهت الشريعة من الوقوع في هذا الأمر لما فيه من عظيم الضرر.
في هذا الحديث قال الرسول العين حق ” أي أنها موجودة وأن الإصابة بها أمر ثابت، ولها تأثير وضرر، وذلك كله بقدر الله تعالى وحكمته، ولذلك ينبغي على المسلم أن يتعامل معها بالرقية الشرعية والأذكار التي علمنا إياها النبي ﷺ.
“ولو كان شَيءٌ سابِقَ القَدَرَ سَبَقَتْه العَيْنُ” أي لو أن هناك شيء يمكنه أن يفوق القدر ويسبقه بأن يؤثر في هلاك شيء ما أو الإضرار به قبل العمر المكتوب له في القدر، لكان ذاك الشيء هو العين، وفيه دليل على خطورة هذا الأمر وعِظمه، وبالتالي على المسلم أن يؤمن بالقدر، لأنه لن يصيبه إلا ما كتبه الله وقدره له “قُلْ لَنْ يُصِيبَنَا إِلَّا ما كَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى الله فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ”.
قولهم اذكرو الله العين حق
ذكر الله أمر عظيم وجليل لكن الإرشاد النبوي بماذا كان عند رؤية شيء يعجب به المرء ؟
الجواب أن من رحمة النبي ﷺ بأصحابه وأُمّته أنه وجّههم إلى كيفية التعامل عند وقوع العين ودفع ضررها عن المعيون، فقد حدث أن الصحابي سهل بن الأحنف كان يغتسل في بئر بالمدينة، فمر عليه عامر بن ربيعة فقال: “لم أَرَ كاليومِ ولا جِلْدَ مُخَبَّأَةٍ” أي ما رأيت مثل هذه النعومة والبياض كاليوم، فسقط سهل مريضًا لا يقدر على القيام وذلك من تأثير العين، فأخبَروا النبي ﷺ بما أصاب سهلًا، فقال ﷺ: بمن تتهمون؟ فقالوا: عامر بن ربيعة، فقال ﷺ: “عَلَامَ يقتُلُ أحدُكم أخاه؟!” أي يصيبه بالعين، ثم قال ﷺ: “إذا رأى أحدُكم مِن أخيه ما يُعجِبُه فليدْعُ له بالبَركةِ”، ثم طلب النبي ﷺ ماءً، فأمر عامر بالوضوء وأن يغسل وجهه ويديه وركبتيه وداخلة إزاره، ثم أمر أن يُصبّ ذلك الماء على سهل ففعلوا، فبرئ سهل وشُفيَ كأن لم يكن به شيء.
وفي الحديث إشارة إلى أن المصاب بالعين إذا عرف العائن فله أن يطلب منه ماء الوضوء، ويجب على العائن أن يمتثل لطلبه ولا يعارض، لقوله ﷺ: “وَإِذَا اسْتُغْسِلْتُمْ فَاغْسِلُوا”، وقال ابن حجر أن ظاهر الأمر هنا للوجوب
أما إذا لم يُعرف العائن فيلزم المصاب بالعين الرقية الشريعة والأذكار والصدقة، والأفضل أن يرقي نفسه، لأن هذا من صفات من يدخلون الجنة بغير حساب، ولأن النبي ﷺ رقى نفسه ولم يطلب من أحد الرقية، هكذا علّمهم النبي ﷺ وأرشدهم إلى الأدب في هكذا موقف، وأخبرهم أن يفعلوا هذه الأمور إذا وقع منهم العين، وهذا من قدرة الله وحكمته سبحانه وتعالى.
ونلاحظ في الحديث السابق أرشدهم النبي صلى الله عليهم وسلم أنهم يدعون لأخيهم بالبركة فإذا أعجبك شيء فقل اللهم بارك له , وما شابه ذلك من الأدعية التي تتضمن الدعاء بالبركة فهذه السنة
من مقالاتنا المفيدة:
شرح حديث إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى
حديث خيركم من تعلم القرآن وعلمه
صحة حديث العين حق هل ضعيف أم صحيح
هذا الحديث جاء بعبارات كثيرة ففي بعضها ضعف أما ( العين حق ) فهو ثابت صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم إنما الضعف في بعض العبارات الأخرى التي وردت مثل ( العين تدخل الرجل القبر والجمل القدر )
الفرق العين والحسد || تنبيهات
لا شك أن هناك فرقا بين العين والحسد، فالحسد يصدر من نفس خبيثة حسودة، أما العين فقد ثبت في السنة أنها تقع من الصالح ومن القريب الحبيب، كما حدث مع عامر بن ربيعة، فإن ذلك لا يقدح في نفس عامر، -فهو من كرام الصحابة ومن السابقين للإسلام وشهد بدرًا-، وإنما كان عليه أن يدعو بالبركة.
والحسد تمني زوال النعمة عن الغير، أما العين فسببها الإعجاب والاستحسان، ولذلك نبه النبي ﷺ على الدعاء بالبركة بسبب الغفلة التي تلحق العائن إذا رأى شيئًا يعجبه، والإنسان قد يصيب نفسه بالعين وهو لا يُدرك –لكن لا يحسد نفسه-، وبالتالي فالحسد مختلف عن العين وإن اتفقا في التأثير، ومن هذا المنطلق حث الإسلام الناس على التعامل بالآداب عند رؤية ما يعجبهم، ومن ذلك أنه من رأى شيئًا له أو لغيره وأعجبه وخاف عليه من العين فليقل ما شاء الله لا قوة إلا بالله، وهذا مأخوذ من قوله تعالى: “وَلَوْلا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ مَا شَاءَ اللَّهُ لا قُوَّةَ إِلا بِاللَّهِ إِنْ تُرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالا وَوَلَدًا”، وأن يدعو بالبركة فيقول: اللهم بارك فيه أو له
كيف يحمي الإنسان نفسه من العين – الرقية الشرعية
من الأمور التي لا بد أن تكون في الحسبان والتي يغفل عنها الكثير من الناس هي الكتمان وعدم الإفصاح عن النعم الخاصة التي تكون عُرضة للحسد، وهذا من السنة، فقد أخبرنا النبي ﷺ: “استعينُوا على قضاءِ حوائجِكم بالكتمانِ..”، ومع ذلك فقد أرشدنا الإسلام إلى الرقية الشرعية والأذكار، وهي أدعية من القرآن والسنة والمعوذات يقرأها المسلم على نفسه أو يقرأها عليه غيره ليحمي نفسه، فهما الحصنٌ للمسلم لا يسعه أن ينفك عنها وهي كثيرة، منها:
من القرآن:
- الفاتحة.
- بداية البقرة.
- آية الكرسي.
- خواتيم البقرة.
- المعوذات.
كما يمكنه يرقي نفسه بأي سورة شاء من دون تخصيص بغير دليل
مقالات ننصحك بها:
اللهم ارزقني حبك وحب من ينفعني حبه عندك
شرح حديث فضل عائشة على النساء كفضل الثريد على سائر الطعام
ومن السنة:
- “أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، من همزِه ونفْخِه ونفْثِه”.
- “أعيذك بكلمات الله التامة، من كل شيطان وهامَّة، ومن كل عين لامَّة”.
- “بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيءٌ في الأرض ولا في السماء وهو السميع العليم”.
- “بسم الله أرقيك، من كل شيء يؤذيك، من شر كل نفْس أو عين حاسد، الله يشفيك، بسم الله أرقيك”.
وأيضًا المواظبة على أذكار الصباح والمساء، وأذكار الأحوال، وأذكار ما بعد الصلوات، والتسمية قبل أي عمل، فذلك كله يدفع العين ويحفظ الإنسان ويجلب له الخير والعافية، والأهم من ذلك كله أن يتيقّن أن ما يصيبه هو مُقدّر له، وأن لا شيء يقع إلا بإذنه سبحانه وتعالى “وَاعْلَمْ أَنَّ الأمة لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلاَّ بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلاَمُ، وَجَفَّتْ الصُّحُفُ”.
حديث مهم: حديث رفقا بالقوارير
الضعف الإيماني – الخوف المفرط من العين
من الأمور المنتشرة بين الناس المبالغة في الخوف من العين، والتي قد تؤدي إلى الوسوسة والشك، وهذا منهي عنه في الإسلام، لأنه يدل على ضعف الإيمان وأن شعور الخوف أكبر من شعور التوكل على الله، والإفراط في ذلك قد يؤدي إلى آثار سيئة تظهر على المصابين فيما بعد، لذلك أمر الله سبحانه وتعالى بالاستعاذة من الشيطان في المعوذات، وعلاج هذا الخوف هو الإيمان بالقدر، وترويض النفس على التوكل على الله سبحانه، والمداومة على الأذكار والمأثورات الواردة في الكتاب والسنة.