شرح حديث اذا التقى المسلمان بسيفيهما
قال الإمام البخاري في صحيحه : حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ المُبَارَكِ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَيُّوبُ، وَيُونُسُ، عَنِ الحَسَنِ، عَنِ الأَحْنَفِ بْنِ قَيْسٍ، قَالَ: ذَهَبْتُ لِأَنْصُرَ هَذَا الرَّجُلَ، فَلَقِيَنِي أَبُو بَكْرَةَ فَقَالَ أَيْنَ تُرِيدُ؟ قُلْتُ: أَنْصُرُ هَذَا الرَّجُلَ، قَالَ: ارْجِعْ فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «إِذَا التَقَى المُسْلِمَانِ بِسَيْفَيْهِمَا فَالقَاتِلُ وَالمَقْتُولُ فِي النَّارِ»، فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذَا القَاتِلُ فَمَا بَالُ المَقْتُولِ قَالَ: «إِنَّهُ كَانَ حَرِيصًا عَلَى قَتْلِ صَاحِبِهِ»
الحديث صحيح متفق عليه أخرجه البخاري ومسلم.
قال الإمام عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله:
قال: “إنه كان حريصا على قتل صاحبه” نيته قتل صاحبه جعلته مثل القاتل، كل منهما حريص على قتل الآخر، فدل ذلك على أن النية لها شأن عظيم.
والمعنى: أن المسلم إذا قتل أخاه بغير حق، فكل منهما متوعدبالنار إذا كان كل واحد حريصا على قتل الآخر فإن كان المقتول ليسله نية في قتل أخيه، فالإثم على القاتل فقط.
وهذا في القتال الذي ليسله شبهة وليس له تأويل، أما القتال الذي له تأويل كقتال المسلمين بالتأويل، كالذي جرى بين الصحابة في العهد الأول وبين غيرهم، بتأويل القرآن فهذا ليس داخلا في الحديث
القتال الذي يقع بين الناس، بين المسلمين بالتأويل وقصد الخير فيخطئ هذا ويصيب هذا، فالمخطئ في اجتهاده له أجر واحد والمصيب له أجران، وإنما هذا في القتل الذيليس بحق وليس بشبهة معتبرة، فالقاتل والمقتول في النار، نعوذ بالله من ذلك.
وهذا أيضا يوجب الحذر من سفك الدماء وأن صاحبها على خطر عظيم.
اذا التقى المسلمان بسيفيهما
فالواجب الحذر وألا يسفك الدم إلا بحق حتى يبرأ من عهدة القتل، ولا شك أن القتل من أعظم الجرائم ومن أعظم الكبائرفوجب على المؤمن أن يحذر ذلك وأن يبتعد عن أسباب القتل بغير حق وعن سفك الدماء بغير حق لعله ينجو، لعله يسلم من تبعة ذلك.
وبذلك يعلم المؤمن أيضا أنه جدير بأن يعنى بنيته في جميع أفعاله وأقواله حتى يكون مأجورا أو سالما ويحذر أن ينوي السوء في أي قول، أو في أي عمل
[ شرح الرياض الصالحين : 1/49 ]
(إذا التقى المسلمان بسيفيهما) وهذا ليس حصرا بالسيف بل يدخل فيه أي آلة ولو بالحجارة أو المسدس
(فقتل أحدهما صاحبه) من التوسع في اسم الصحبة وإلا فإنه هنا عدوه
(فالقاتل والمقتول في النار) هذا العموم مخصوص بقتال البغاة والدفاع عن النفس والمال والأهل لأدلته المعروفة في النصوص الشرعية
(فما بال المقتول قال أنه كان حريصًا على قتل صاحبه) فيه دليل على أن العزم الصادق على فعل المعصية كفعلها في الإثم والعقوبة
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين رحمه الله:
واعلم أن الهم بالسيئة له أحوال:
الحال الأولى: أن يهم بالسيئة أي يعزم عليها بقلبه، وليس مجرد حديث النفس، ثم يراجع نفسه فيتركها لله عزّ وجل، فهذا هو الذي يؤجر، فتكتب له حسنة كاملة، لأنه تركها لله ولم يعمل حتى يكتب عليه سيئة.
الحال الثانية: أن يهم بالسيئة ويعزم عليها لكن يعجز عنها بدون أن يسعى بأسبابها: كالرجل الذي أخبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ليت لي مثل مال فلان فأعمل فيه مثل عمله وكان فلان يسرف على نفسه في تصريف ماله، فهذا يكتب عليه سيئة، لكن ليس كعامل السيئة، بل يكتب وزر نيته، كما جاء في الحديث بلفظه: “فَهوَ بِنيَّتهِ”، فَهُمَا في
لوِزرِ سواء (1)
الحال الثالثة: أن يهم بالسيئة ويسعى في الحصول عليها ولكن يعجز، فهذا يكتب عليه وزر السيئة كاملاً، دليل ذلك: قول النبي صلى الله عليه وسلم: “إِذَا اِلتَقَى المُسلِمَانِ بِسيفَيهِمَا فَالقَاتِل وَالمَقتول في النَّار قَالَ: يَا رَسُول الله هَذا القَاتِلُ، فَمَا بَالُ المَقتُول؟ ” أي لماذا يكون في النار- قَالَ: “لأَنَّهُ كَانَ حَريصَاً عَلَى قَتلِ صَاحِبِهِ” (2) فكتب عليه عقوبة القاتل.
ومثاله: لو أن إنساناً تهيأ ليسرق وأتى بالسلم ليتسلق، ولكن عجز، فهذا يكتب عليه وزر السارق، لأنه هم بالسيئة وسعى بأسبابها ولكن عجز.
الحال الرابعة: أن يهم الإنسان بالسيئة ثم يعزف عنها لا لله ولا للعجز، فهذا لا له ولا عليه، وهذا يقع كثيراً، يهم الإنسان بالسيئة ثم تطيب نفسه ويعزف عنها، فهذا لا يثاب لأنه لم يتركها لله، ولا يعاقب لأنه لم يفعل ما يوجب العقوبة. اهـ. (شرح الأربعين النووية)
شرح حديث اذا التقى المسلمان بسيفيهما
نفهم من هذا كله أن المسلمين عليهم أن يحترموا كل المسلمين، ولا يجوز لهم أن يحملوا عليهم السلاح، ولا أن يستحلوا دماءهم، ولا أن يستحلوا محارمهم، ولا أن يستحلوا أموالهم، فلا تُسفك الدماء ولا تنهب الأموال ولا تنتهك الأعراض، ولا تستحل المحارم، حتى يكونوا بذلك إخوةً مسلمين كما أمرهم الله بقوله: { فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا } [آل عمران:103]، وبقوله: { فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ } [الحجرات:10]، والأحاديث التي تحث على الأخوة وتحذر من التقاطع كثيرة، ومن هذه الأحاديث التي تحذر المسلم من أن يقاطع إخوته قوله صلى الله عليه وسلم: ( لا تقاطعوا، لا تهاجروا، لا تدابروا، ولا تحاسدوا، ولا تنافسوا )، وأحاديث كثيرةٌ جاءت في حث المسلمين على أن يكونوا إخوة.
ثم إذا كانوا إخوةً فإنهم يكونون يداً واحدةً على أعدائهم، ويكونون جميعاً من أولياء الله إذا فعلوا ما أُمروا به وتركوا ما نُهوا عنه، وأطاعوا الله ورسوله، وامتثلوا أمره؛ فمن كانوا كذلك فهم من المسلمين، لهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين.
ولا شك أن هذا يعم: حمل السلاح على أفراد المسلمين، وعلى جماعاتهم، وعلى أئمتهم وولاة أمورهم، كل ذلك يعمهم قوله: ( من حمل علينا السلاح فليس منا )، فالفرد من أفراد الناس إذا سل سيفه وأخذ يقاتل، أو أخذ بندقيته وصار يقاتل، أو همَّ بالقتال وأشهر سلاحه وأعلنه أمام الناس، وهدفه أن يقاتل هؤلاء المسلمين أو يخوفهم دخل في حكم هذا الحديث: (من حمل علينا السلاح)، لأن هذا الحديث فيه توعد بمجرد الحمل.
كذلك أيضاً إذا أراد أن يقاتل جماعة أو فئةً أو طائفة أو دولةً أو أهل بلدةٍ، كأن اجتمعت مجموعة، وكان معهم قوةٌ، ومعهم عدةٌ وأسلحة، وأرادوا أن يقاتلوا أهل بلدة أخرى، أو يقاتلوا أهل دولة أخرى، أو يقاتلوا قبيلة أخرى، وليس ذلك إلا لإرادة التجبر والتكبر عليهم، دخلوا في ذلك؛ بسبب أنهم قد حملوا السلاح على مسلمين من أهل الإسلام الصحيح، فيكونون بذلك متوعدَين بهذا الوعيد: (فليس منا).
وكذلك لو كان لهم منعة وقوة وعدة وذخائر ونزعوا يدهم من طاعة ولاة الأمور، وأرادوا أن يقاتلوا ولاة الأمر أو يقاتلوا من تحت ولاية الوالي ونحو ذلك؛ فيدخلون في هذا الحديث، ويصيرون ممن حمل السلاح على المسلمين، فيكونون بذلك قد توعدوا بهذا الوعيد الشديد: (من حمل علينا السلاح فليس منا).
وهكذا إذا حملوا السلاح على المسلم، الذي هو متمسك بالإسلام وبالعقيدة وبالتوحيد وطاردوه لأجل إسلامه، أو لأجل تمسكه، أو لأجل عقيدته، أو لأجل ديانته، فإذا طاردوه، وحمل عليه السلاح وتبعه بالسلاح واحد أو عددٌ دخلوا في هذا الوعيد: (من حمل علينا السلاح فليس منا).
وهكذا أيضاً يدخل في ذلك أفرادٌ وجماعات إذا كانوا يقطعون الطرق، ويقصدون بذلك أخذ الأموال، كأن يقفون في طرق الناس، فإذا مر بهم من يظنون أن معه مالاً أو معه محارم أشهروا السلاح عليه، وقالوا: أعطنا ما معك من المال، أو خلِ بيننا وبين محارمك لنفعل فيهن الفاحشة وإلا قتلناك، فإذا شهروا السلاح عليه فلا شك أن ذلك أيضاً داخل في هذا الحديث: (من حمل علينا السلاح فليس منا).
وهكذا يدخل في ذلك البغاة الذين يكون لهم شبهة، ويكون لهم قوةٌ، ويخرجون عن طاعة الإمام كالحرورية الخوارج الذين يقتلون أهل الإسلام ويتركون أهل المعاصي والكفر، فهؤلاء داخلون في هذا الحديث؛ حيث إنهم حملوا السلاح على المسلمين فقط، وتركوا غير المسلمين.
ففي هذا وعيد شديد لكل من حمل السلاح على فرد أو على جماعة، سواء كان ذلك الحامل معه غيره أو كان وحده، وسواء كان قصده أن يستبد بالأمر أو قصده أن يذل ويهين المسلمين لأجل إسلامهم وعقيدتهم، أو قصده أن يذل كل متدين وكل عبدٍ صالح، حتى يظهر الفسق ويعلو، ويذل أهل الإيمان وينقمعوا في زعمه، ويتهمهم بما يتهمهم به من الإرهاب أو نزع يد الطاعة، أو ما أشبه ذلك، ولو سماهم بما سماهم فلا شك أن هذا داخل في هذا الوعيد.
كما ننصحك بمراجعة التالي: