شرح حديث إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا
مُلقي الحديث: وعن عائشة – رضي الله عنها – قالت « كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ إذَا أمَرَهُمْ، أمَرَهُمْ مِنَ الأعْمَالِ بما يُطِيقُونَ، قالوا: إنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يا رَسولَ اللَّهِ، إنَّ اللَّهَ قدْ غَفَرَ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ، فَيَغْضَبُ حتَّى يُعْرَفَ الغَضَبُ في وجْهِهِ، ثُمَّ يقولُ: إنَّ أتْقَاكُمْ وأَعْلَمَكُمْ باللَّهِ أنَا ».
الشارح : (ﷺ) لا شك لاحظت وأنا أتكلم عن العزلة كثير منكم يكتب وقد فاته وقد يكون فاته شيء مما ذكرت مما ذكرت من كلام أهل العلم فمن أراد يرجع إلى هذا الكتاب كتابي طبعته قبل عشر سنوات غربة الإسلام موجود في ابن القيم وفي مكتبة الذهبي نرجع هنا، نجد مسألة الغُربة وهذا بحث خط من هذا الكتاب، كتاب تستفيدون منه.
هذا الحديث حديث عائشة – رضي الله عنها – قالت عائشة – رضي الله عنها – قالت كان رسول الله (ﷺ) « إذَا أمَرَهُمْ » أمر الناس بعمل جاء في رواية أمرهم من الأعمال ما يطيقون إذا أمرهم إذا أمر الناس بعمل من الأعمال بعبادة من العبادات أمرهم من الأعمال بما يطيقون أمرهم أي يطيقون المداومة عليه هكذا نفهم الحديث بما يطيقون المداومة عليه.
فيحثهم (ﷺ) يحثُ أمته على أعمالٍ وطاعاتٍ مما يطيقونها ويطيقون المداومة عليها فخير العمل ما دام على صاحبه و إن قل ولو كان عملًا قليلًا لكنه داوم عليه فهذا خير العمل فكان (ﷺ) إذا أمر الناس بعمل أمرهم من الأعمال ما يطيقون الدوام عليه يستطيعون المداومة عليه لا يشق على هذه الأمة (ﷺ)
وانظر هذا الحديث فيما يتعلق بهذه المسألة: شرح حديث إن الله لا يمل حتى تملوا
فقالوا من رغبتهم – رضي الله عنهم – « إنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ يا رَسولَ اللَّهِ » ليس حالنا كحالك يا رسول الله استقلوا أعمالهم – رضي الله عنهم – بالنسبة لعمل رسول الله (ﷺ) « إنَّا لَسْنَا كَهَيْئَتِكَ » لسنا كحالك يا رسول الله « إنَّ اللَّهَ قدْ غَفَرَ لكَ ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِكَ وما تَأَخَّرَ» يعني كأنهم يقولون أنت مغفورٌ لك يا رسول الله لا تحتاج إلى عمل ومع ذلك تواظب على الأعمال فكيف بنا مع كثرة ذنوبنا، نحن نُذنب ولا نعلم ما الذي يشاءه الله – عز وجل – لنا لكنك يا رسول الله أنت غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر ورغم ذلك تُواظب على الأعمال وتقوم من الليل حتى تتفطر قدماك يا رسول الله
فرد عليهم (ﷺ)، لأنه هو لم يغضب لرغبتهم في العلم والتقوى والازدياد من الطاعة ولكنه غضبَ لأنهم استقلوا أعمالهم بالنسبة لرسول الله (ﷺ) هو رسول الله (ﷺ) من يستطيع أن يصل إلى فضله وإلى عبادته و إلى تقواه ما يستطيع أحد فغضب حتى يُعرف الغضب في وجهه ثم يقول « إنَّ أتْقَاكُمْ وأَعْلَمَكُمْ باللَّهِ أنَا » رد عليهم أنا أولى بالعمل منكم لأنني أتقاكم لله لأنني أعلمكُم بالله – عز وجل –
فوائد حديث إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا
1- هذا الحديث من الأحاديث العظيمة التي تُبين فضل صحابة النبي (ﷺ) و أنهم احرصوا على عبادة الله – عز وجل -.
2- وفيه: أن الأعمال الصالحة تُرقي صاحبها إلى المراتب العليا من رفع الدرجات ومحو الخطيئات لأنه (ﷺ) لم ينكر عليهم استدلالهم ولا تعليلهم من هذه الجهة وأنكر عليهم أنهم يرغبون أن يصلون إلى درجته أن يصلوا إلى درجته لكن بين أنهم لا يستطيعون، أنا أولى بالعمل منكم، لأنني أتقاكم لله لا تستطيعون أن تصلون إلى درجتي في التقوى وفي العلم بالله – عز وجل -.
3- من الفوائد: أن العبد إذا بلغ الغاية في العبادة وثمراتها كان ذلك ادْعى له إلى المواظبة عليها إستبقاءً للنعمة و استزادةً لها بالشكر عليها فهو رسول الله (ﷺ) هو قدوتنا هو أُسوتنا فالمؤمن يترقى في العبادة وفي التقرب إلى الله – عز وجل – فإذا بلغ الغاية في العبادة ونال ثمرات هذه العبادة ورآها بعينه وشعر بحلاوة الطاعة كان ذلك ادعى له إلى المواظبة عليها
وهذا هو المطلوب من كل مسلم حتى تبقى هذه النعمة يبقي توفيق الله – عز وجل – له أن هداه ووفقه لهذه العبادات ويسرها له وتفضل عليه بثمرات وفوائد هذه العبادات ومن ضمنها حلاوة الإيمان والطاعة فيزدادُ طاعةً لله وشكرا له الم يقل رسول الله (ﷺ) «أفلا أكُونُ عَبْدًا شَكُورًا» وهو غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر لكنه يقوم الليل حتى تتفطر قدماه.
4- من فوائد هذا الحديث الوقوف عند حد الشارع حدود الشرع لا نزيد عليها من عزيمة أو رخصة واعتقاد وأن الأخذ بالأرفق الموافق للشرع أولىٰ من الأخذ بالأشق المُخالف له اتباع الشريعة فيها الرفق بالنفس وبالجسد، لأنه موافق للشريعة فالشريعةُ لم تأتي بما لا يستطيعه الناس بما لا يطيق الناس المداومة عليه إذا أمرهم، أمرهم من الأعمال ما يطيقون ما يستطيعون المداومة عليه في الشرع لم يأتي أمر بطاعة بعبادة هي فيها مشقة على الناس فمن زاد على الشريعة وتعدى حدود الشارع شق على نفسه وخالف الشريعة
5- من فوائد هذا الحديث، أيضًا أن الأولى في العبادة القصد والملازمة لا المبالغة في العبادة المفضية إلى الترك، أنت تقرب إلى الله – عز وجل – وداوم على ما تستطيع، لا ترهق نفسك ويؤدي بك هذا الإرهاق إلى تركها يومًا من الأيام استمر عليها ولو كانت قليلة.
6- من الفوائد التنبيه على شدة رغبة الصحابة في العبادة وطلبهم الازدياد من الخير – رضي الله عنهم – من منهم أكثر عبادة مهما جاء من بعدهم من العُباد لا يستطيعون أن يصلوا درجة الصحابة – رضي الله عنهم – في العبادة والتمسك بدين الله.
7- من الفوائد الغضب عند مخالفةُ الأمر الشرعي يغضب حتى يُعرف الغضب في وجهه (ﷺ) يعني خالفوا أو اوشكوا على المخالفة فغضب، فالمؤمن يغضب إذا انتهكت حرمات الله – عز وجل – هذا الغضب يؤجر عليه له أُسوة برسول الله (ﷺ) لأنه يغضب إذا انتهكت محارم الله، فالغضب بحدود الشرع لا يتجاوز هذا الغضب ضوابط الشرع ويؤدي إلى مفاسد على نفسه أو على مجتمعه ووطنه لا، يغضب لله لكن في حدود الشرع لا يجوز تجاوز حدود الشرع فالغضب هذا يؤجر عليه.
8- الإنكار على المخالف أيضًا فيه فائدة أن يتيقظ هذا المخالف فالنبي (ﷺ) هنا في هذا الحديث أنكر عليهم فأدى إلى تيقظهم – رضي الله عنهم – فلم يكرروا هذا الفعل مرة أُخرى.
9- جواز التحدث عن النفس من فوائد هذا الحديث بما فيه من فضل؛ لأن هنا النبي (ﷺ) تحدث عن نفسه إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا تحدث عن نفسه (ﷺ)، فيجوز للعالم أو طالب العلم أو للمؤمن أن يتحدث عن نفسه من فضل بحسب الحاجة بشرط أن يأْمن على نفسهِ من المباهاة والتعاظم والغرور والإعجاب بالنفس لا مانع يجوز أن يتحدث عن نفسه إذا وجد مصلحه في حاجة مثل ما تحدث (ﷺ) هنا عن نفسه وهكذا أحاديث فيه فوائد كثيرة.
نكتفي بما ذكرنا نسأل الله – عز وجل – أن يحفظنا و إياكم وينفعنا و إياكم بما علِمنا ونسأله – عز وجل – علمًا نافعًا وقلبًا خاشعًا ودُعاءً مستجابًا، ونعوذ به – عز وجل – من علم لا ينفع ومن قلب لا يخشع ومن دعاء لا يُستجاب نسأل الله أن يحفظنا و إياكم ويحفظ بلادنا و بلاد المسلمين من كل سوء و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .