ثلاث من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان

ثلاث من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان

قال رحمه الله تعالى باب حلاوة الإيمان وعنه رضي الله تعالى عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” ثلاثٌ من كن فيه ذاقَ حلاوةَ الإيمانِ : من كان اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما ، ومن كان يحبُّ المرءَ لا يحبُّه إلا للهِ ، ومن كان يكرُه أن يرجعَ إلى الكفرِ بعد إذ أنقذه اللهُ منه كما يكرُه أن يلقى في النارِ ”   

شرح حديث ثلاث من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان

ثم عقد الإمام البخاري رحمه الله هذه الترجمة باب حلاوة الإيمان، والحلاوة هي الطعم حلاوة الإيمان أي طعم الإيمان، وهذا يعني أن الإيمان له طعم له حلاوة الإيمان غذاء للقلوب، وإذا تغذت القلوب به فعلا ذاقت حلاوته وطعمه، مثل ما ان الطعام والشراب غذاء للأبدان، الإنسان عندما يتناول طعام يشتهيه ونفسه تميل إليه أو يشرب  شراب يشتهيه ونفسه تميل إليه، يلتذ بذلك، ويحس بطعم وحلاوة لذلك والإيمان غذاء للقلب والأرواح والنفوس، وإذا عمرت القلوب فعلا بالإيمان وتحقق فيها الإيمان وجدت حلاوة وطعم ولذة لهذا الإيمان، لا تقارن بالأطعمة واللذات الأخرى. شئ متميز وشئ فريد يكرم الله سبحانه وتعالى به، من يحقق الإيمان، فكيف تذاق هذه الحلاوة وكيف يجد الإنسان هذه اللذة، عقد الإمام البخاري هذه الترجمة باب حلاوة الإيمان وساق حديث أنس بن مالك رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ثلاثٌ من كن فيه ذاقَ حلاوةَ الإيمانِ : من كان اللهُ ورسولُه عليه الصلاة والسلام أحبَّ إليه مما سواهما ، ومن كان يحبُّ المرءَ لا يحبُّه إلا للهِ ، ومن كان يكرُه أن يرجعَ إلى الكفرِ بعد إذ أنقذه اللهُ منه كما يكرُه أن يلقى في النارِ، هذه خصال ثلاث، صدر الحديث عنها صلوات الله وسلامه عليه بقوله   

ثلاث من كن فيه ذاق فيه حلاوة الإيمان

ثلاثة هنا نص على العدد، وكثير ما يأتي في أحاديثه عليه الصلاة والسلام التنصيص على العدد، فهناك حديث كان به التنصيص على العدد رقم 6، حيث صدر رسول الله عليه الصلاة والسلام الحديث برقم 6، [ اضمنوا لي ستاً أضمن لكم الجنة ]، نص هذا الرقم ما قال اضمنوا أمورا أضمن لكم الجنة، بل قال ستة ” 6 ” ، ما فائدة العدد؟ لأنك عندما تذكر الحديث فيما بعد، ” اضمنوا لي ستاً من أنفسكم أضمن لكم الجنة اصدقوا إذا حدثتم، وأوفوا إذا وعدتم وأدوا إذا  أؤتمنتم، غضوا أبصاركم واحفظوا فروجكم، كفوا أيديكم ” الحديث أعان القارئ على ضبط العدد، فانظر إلى حكمة الحديث وكمال النصح، كما نصح النبي عليه الصلاة والسلام  لو كان الحديث اضمنوا خصالا أضمن لكم الجنة، في السائل لن يسأل عن ماهما، ولكن عندما قال اضمنوا لي 6 وهو كتب 5، فعرف أنه بقي له واحدة. فيما بعد لو أنه قام خطيبا أو معلما وجاء بالحديث وقال الرسول عليه الصلاة والسلام اضمنوا لي ستا أضمن لكم الجنة، وجاء بخمس قال الناس أين السادس، فذكر العدد يضبط العلم   وكثيرا ما يأتي فـ أحاديث النبي الكريم، فيه الاثنان والثلاثة والأربعة والخمسة والستة والسابعة والثامنة والتاسعة، أعدادا تأتي بحديث النبي، ومن اللطائف التي الشخصية مرة زارنا الشيخ عبدالقادر رحمه الله، وكان بالمجلس مجموعة من الشباب فطلبت منه أن يعظهم موعظة، فبدأ يتكلم وقال الإثنين وجاء بحديث لإثنين، الثالثة الرابعة الخامسة السادسة السابعة الثامنة، وكل واحدة يأتي بها حديث ويتكلم قليلا عن معناه وكانت لافتة جميلة وفائدة ثمينة وطريقة للتمكين في مثل الأحاديث هذه وما اشتملت عليه من فائدة.  

ثلاث من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان

وهنا النبي قال ثلاث أي خصال، من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان، إنتبه لقول كن فيه أي وجدنا فيه وكن بقلبه و أصبحت صفات قائمة فيه، وجد حلاوة الإيمان، رتب وجد حلاوة الإيمان على قيام هذه الخصال ووجودها في العبد، قال ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان، ومن ثم ذكرها الخصال الثلاث. الأولى تكميل المحبة بالقلب، والثانية تفريع المحبة ” أي يتفرع عنها “ والثالثة نفي ما يضادها ” المحبة  “، ثلاث خصال تكميل المحبة وتفريعها ونفي ما يضاد المحبة، أولا تكميل المحبة قال ” أن يكون الله ورسوله أحب إليه من ما سواهما ” هذا تكميل المحبة وبدء بها لأنها الأصل والأساس الذي يبنى عليه ما بعده ويقام عليه الدين كله، تكميل هذه المحبة داخل القلب أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما أي أن يكون داخل القلب محبة لله وهي الأصل ومحبة للرسول عليه الصلاة والسلام وهي تابعة لمحبة الله فإن محبته من محبة الله كما ان طاعته من طاعة الله. أحب إليه مما سواهما ذُكر شئ من تفصيله في الأية الكريمة [ قل أن كان آباؤكم أو أبناءكم وإخوانكم أو أزواجكم أو عشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربص ]، وهذه الأمور الثمانية يسميها أهل العلم المحاب الثمانية، لأن القلوب جبلت على محبتها، فذكر شئ منها من المحاب تفصيلاً في الأية وفي الحديث الذي مر معنا ” من والده وولده والناس أجمعين “، في حديث عمر قال النفس فهذا كله تفصيل لما أجمل هنا لقوله ” مما سواهما ” أي ولدك والدك تجارتك عشيرتك وما غير ذلك من الأمور التي جبلت القلوب على محبته، هذا هو الأصل ان يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، ثم الفرع أن يتفرع عنه ما بعده أن يحب المرء لا يحبه إلا لله. متى يكون الإنسان بهذا الوصف، يحب المرء لا يحبه إلا لله، إذا قام الأصل المتقدم وثبت في قلبه كان بهذه الصفة، أما إذا ضعف ذلك الأصل المتقدم في قلبه الفرع يضعف تبعا له، فيصبح مثلا يحب ويبغض بالهواء حظوظ النفس في أمور من هذا القبيل، وذلك لضعف المحبة، التي هي الأصل في قلبه ومحبة رسوله، إذا قوله أن يحب المرء لا يحبه إلا لله هذا فرع عن الأصل الثابت وفي الحديث يقول النبي عليه الصلاة والسلام من أحب لله وابغض لله واعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان، وأيضا يقول الرسول ” أوثق عرى الإيمان الحب في الله والبغض في الله “. لكن هذه الشعبة العظيمة من شعب الإيمان لا تكون بالقلب حقيقة إلا إذا وجد الأصل، فالفرع تبعا للأصل إذا وجد الأصل أن يكون اللهُ ورسولُه أحبَّ إليه مما سواهما يقوم الفرع قياما صحيحا، ثم ذكر الأمر الثالث وهو نفي المضاد. اقرأ أيضا:

لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين

إنما الأعمال بالنيات

كم من جار متعلق بجاره

أعوذ بوجه الله الكريم

   

ومن كان يكرُه أن يرجعَ إلى الكفرِ بعد إذ أنقذه اللهُ منه كما يكرُه أن يلقى في النارِ

أي أن يقوم داخل قلبه كراهية وبغض للعودة إلى الكفر كما يكره أن يقذف داخل النار، لا يشترط ذا الوصف أن يكون الإنسان قبل ذلك كافرا بل من نشأ على الإسلام، ولد مسلما ونشأ مسلما ينطبق أيضا عليه هذا الوصف ” أنقذه الله من الكفر ” حتى وإن كان مسلما لا يشترط أن يكون قبل ذلك على غير الإسلام، بل حتى ولو ولد مسلما قد أنقذه الله سبحانه وتعالى من الكفر وفي الأية [ قد افترينا على الله كذبا إن عدنا في ملتكم بعد إذا نجانا الله منها ]وهو نشأ على الإسلام فالنجاة والإنقاذ لا يلزم أن يكون قبل ذلك على غير الإسلام، فكل مسلم قد أنقذه الله ونجاه من الكفر. فإذا هذه خصلة مطلوبة لكل مسلم أن يكره الكفر والدخول فيه أو العودة إليه أو السلوك مسلك الكافرين وقد أكرمه الله عز وجل ونجاة وسلمه من الكفر أن يكون بقلبه كراهية لذلك أشد من الكراهية للقذف في النار، والقذف داخل النار كل إنسان عاقل قد كان في قلبه كراهية لهذا الأمر، فإذا لا يذوق حلاوة الإيمان حتى يقوم بقلبه كراهية شديدة للكفر والعودة له والوقوع في الكفر كما يكره أن يقذف في النار، ثم بين الأمرين مطابقة من عاد للكفر ومات عليه قذف في النار وخُلد فيها أبد الآباد.  قال الله تعالى [وَٱلَّذِينَ كَفَرُواْ لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَىٰ عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُواْ وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُم مِّنْ عَذَابِهَا ۚ كَذَٰلِكَ نَجْزِى كُلَّ كَفُورٍۢ ]، هذا ح\يث عظيم جدا في بيان خصال ثلاثة إذا قامت في العبد وقامت في قلب العبد صدقا وحقا ذاق بها حلاوة الإيمان، وجميع هذه الخصال مكانها القلب، والحديث اشتمل على 3 شعب من شعب الإيمان، كما قال نبينا ” ثلاث ” أي ثلاث خصال وشعب وخلال من امور الإيمان وخصاله، وكلها مكانها القلب، فالمحبة وما يتفرع عنها أيضا نفي الذي يضادها كل ذلك مكانه القلب، وهذا أيضا نستفيد منه فائدة عظيمة ألا وهى مكانة القلب ومنزلته الرفيعة وأثرها البالغ على العبد، كما قال رسول الله عليه الصلاة والسلام وَإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ، أَلَا وَهِيَ الْقَلْبُ، نسأل رب العرش العظيم أن يزيننا جميعا بزينة الإيمان.    

شرح آخر لحديث ثلاث من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان

مُلقي الحديث : وعنه – رضي الله عنه – عن النبي (ﷺ) أنه قال : « ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ : أنْ يكونَ اللهُ و رسولُهُ أحبُّ إليه مِمَّا سِواهُما، و أنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ ، و أنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ؛ كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ ». الشارح : أحسنت، هذا الحديث السادس عشر من مختصر صحيح الإمام البخاري – رحمه الله –  يرويه أنس – رضي الله – عنه يقول « ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه » ثلاثُ خصالٍ من كن فيه هذه الخصال الثلاث وجد حصّل أصاب حلاوة الإيمان أي أصاب لذة الطاعات حصّل لذة الطاعات هذه الثلاث الأولى أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومر معنا في الحديث السابق قال : « و أنْ يُحِبَّ المرْءَ لا يُحبُّهُ إلَّا للهِ، و أنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ ؛ كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ ». هذا حديث عظيم ولا شك أن القلب السليم من أمراض الغفلة والهوى يذوقُ طعم الإيمان ويتنعم به كما يذوق الطعام كما يذوقُ طعم العسل وغيره من ملذات الطعام ولا يذوق ذلك طعم الإيمان ويتنعم به إلا من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما من نفسه وولدٍ ووالدٍ ومال وكل شيء قوله مما سواهما قال ((مما)) ولم يقل ((ممن)) ليعم العاقل وغيره أحب إليه مما وهذا من جوامع كلمه (ﷺ) مما أنسب وأحسن من كلمة ممن لأن ممن فقط تكون للعاقل، أمَّا مما تكون للعاقل ولغير العاقل أيضًا أحب إليه ((سواهما))، سواهما هنا تثنية، تثنية إشارة إلى أن المُعتبر هو مجموع المحبتين محبة الله ومحبة رسوله (ﷺ) فلا بد من المحبتين لا كل واحدة منهما فإنها وحدها لاغية إذا لم ترتبط بالأخرى لذلك قال سواهما، فمن يدّعي حب الله مثلًا ولا يُحب رسوله (ﷺ) لا ينفعه ذلك فلابد أن يُحب الله – عز وجل – و أيضًا يُحب رسوله (ﷺ) والمراد بهذا الحب هو الحب العقلي إيثار ما يقتضي العقل رجحانه و إن كان على خلاف هواه يحب الله ورسوله ويكون حبهما أحب إليه مما سواهما في عقلهِ فيؤْثر ما يقتضي العقل رجحانه و إن كان على خلاف هواه. فإذا جاء قال الله – عز وجل – عمل بالأمر وانتهى عن النهي و إذا جاء قال رسوله (ﷺ) عمل بالأمر و انتهى عن النهي و اعتقد بما جاء في النصوص مباشرة من غير تردد هذه علامة أنه أحب الله – عز وجل – أكثر وحب رسوله (ﷺ) أكثر من سواهما، فإذا تأمل الإنسان يجد أن الشارع لا يأمر ولا ينهى إلا بما فيه صلاحٌ عاجل أو خلاص أجل والعقل يقتضي رجحان جانب ذلك، تمرن على الإئتمار بأمره – عز وجل – و أمر رسوله بحيث يصير هواه تبعًا له، تبعًا لأمره – عز وجل – وأمر رسوله فإذا كان ذلك كذلك فسيتلذذ عقليًا وعبّر الشارع عن هذه الحال بالحلاوة الإيمان لذة الطاعة. قال القسطلاني – رحمه الله – ومن علامات المحبة لله – عز وجل – نصر دين الإسلام بالقول والفعل والذبُ عن الشريعة الدفاع عن شريعة الإسلام والتخلق بأخلاق رسول الله (ﷺ) فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإيمان كلام القسطلاني – رحمه الله – في شرحه في صحيح البخاري قال ومن علامات هذه المحبة نصر دين الإسلام بالقول والفعل والذب عن شريعة والتخلق بأخلاقه (ﷺ) العمل بسُنته (ﷺ) فمن جاهد نفسه على ذلك وجد حلاوة الإيمان، ومن وجد حلاوة الإيمان استلذ الطاعة وتحمل في الدين المشاق، بل ربما يلتذ بكثير من المؤلمات والله يهب لمن يشاء ما شاء، هذا كلام قسطلاني – رحمه الله – في شرحه، ومن محبة الله تعالى ورسوله (ﷺ) أن يُحب المرءَ حال كونه لا يُحبه إلا لله تحبه فيه، وعند النسائي بلفظ: ((و أن يحب في الله ويبغض في الله)) نفس الحديث فكما أن الحب في الله من الإيمان، فكذلك البُغض في الله من الإيمان، كذلك أيضًا صح عنه (ﷺ) قوله ((من أحب لله و أبغض لله و أعطى لله ومنع لله فقد استكمل الإيمان)) رواه أبو داوود وهو في صحيح سُنن أبي داوود، هذا كله يدل على أن الحب في الله من الإيمان كذلك أيضًا البُغض في الله من الإيمان.     قوله في الحديث « و أنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ ؛ كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ» فيه زيادة، أيضًا هذا الحديث و أن يكره أن يعود في الكفر بعد أن أنقذه الله منه زيادة صحيحة لهذا الحديث ومعناه معنى هذا الحديث أن يكره أن يصير في الكفر أن يكره أن يعود هنا يعني يصير في الكفر، كما يكره أن يقذف في النار أي مثل كرهه القذف في النار في الدنيا يكره أن يعود أو يصير كافرًا فكل ذلك نتيجة دخول الإيمان في القلب، فإذا دخل الإيمان في القلب وتمكن من القلب بحيث يختلط باللحم والدم و استكشفَ محاسن الإسلام وقُبح الكفر وشينه فيحب في الله ويبغض في الله فيحب في الله ويبغض في الله   وفي هذا الحديث حلاوة الإيمان قال : « ثلاثٌ مَنْ كُنَّ فيه وجَدَ حلاوَةَ الإيمانِ » وقلنا أن حلاوة الإيمان هي لذة الطاعة، لذه و حلاة يشعرها إذا تقرب إلى الله – عز وجل – في صلاته وفي صومه وفي زكاته وفي سائر العبادات السير إلى منهج الله – عز وجل – وعليه الإقبال على منهج الله – عز وجل – يؤدي إلى ثمرات كثيرة عاجلة في الدنيا ومِنح كثيرةٌ يمنحه الله – عز وجل – لعبده المؤمن فمن سار على منهج الله تعالى وعلى طريقة رسوله (ﷺ) فيُثمر هذا السير ثمرات عاجلة في الدنيا، ومن أعظم هذه الثمرات حلاوة الإيمان ولذة الطاعة والحديث معنا دليل على ذلك قال النووي – رحمه الله – في شرحه لهذا الحديث معنى حلاوة الإيمان استلذاذُ الطاعات وتحمل المشقات في رضا الله تعالى.   إذًا الإيمان له حلاوته والطاعات لها لذة والعبادات لها سعادةٌ وراحة، ولذة العبادة هي ما يجده المسلم ومن راحة النفس وسعادة القلب و انشراح الصدر وسعة البال أثناء العبادة يشعر براحة نفسية وسعادة في أثناء العبادة وعقب الإنتهاء من العبادة هذه اللذة تتفاوت من شخص إلى شخص حسب قوة الإيمان حسب نقص الإيمان وحسب زيادته وهذه اللذة تحصل بحصول أسبابها وتزول بزوال أسبابها. نذكر لكم بعضًا مما جاء في السُنة يقول (ﷺ) لبلال “أرحنا بالصلاة يا بلال أرحنا يا بلال” لماذا ؟ لأن لما يجده (ﷺ) من اللذة والسعادة والطاعة لله – عز وجل – وذلك كان (ﷺ) يقوم الليل حتى تتفطر قدماه (ﷺ) وكان يقول ” وجعلت قرة عيني في الصلاة “ كذلك أيضًا مُعاذ بن جبل – رضي الله عنه – يبكي عند موته وقال: إنما أبكي على ظمأ الهواجر وقيام ليل الشتاء ومزاحمة العلماء بالركب عند حلق الذكر”،  فهو – رضي الله – عنه يجد اللذة والسعادة عند صيام الأيام الحارة وعند قيام الليل في الشتاء والليالي الباردة يجد اللذة والسعادة في مجالس العلم.   كذلك جاء عن كثير من السلف أقوال كثيرة يقول أحدهم ” إنّ في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة، قالوا: وما هي؟ قال: إنها جنة الإيمان “، هذه الجنة هي لذة الطاعة وحلاوة الإيمان، كما يقول آخر أيضًا ” إنه لتمر بي أوقاتٌ أقول إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب “. ويقول أخر” مساكينُ أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها، قيل له وما أطيب ما فيها، قال، معرفة الله عز وجل ومحبته “. ويقول الآخر “لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه من النعيم لجالدونا عليه بالسيوف” كل هذا ذكره ابن القيم في مدارج السالكين هذه الآثار كلها تدل على شعورهم بهذه الحلاوة عندما يعبدون الله – عز وجل -.  

أسباب تحصيل حلاوة الإيمان

فما هي أسباب تحصيل هذه اللذة؟ عرفنا الآن أهمية حلاوة الإيمان في الطاعات وشعرنا بالتقصير و أنا أولكم لأننا لا نجد هذه اللذة أحيانًا في عباداتنا، فما هي الأسباب للحصول على هذه اللذة والمحافظة على حلاوة الإيمان ؟ ما هي الأسباب ؟ الحديث ذكر لنا ثلاث محبة الله تعالى ومحبة رسوله (ﷺ) بأداء حق الله وحق رسوله (ﷺ)، محبة الله يقول ابن القيم في إغاثة اللهفان أنه ” لا شيء أحبَّ إلى القلوب من خالقها وفاطرها، فهو إلهها ومعبودها، ووليُّها ومولاها، وربُّها ومدبِّرُها ورازقها فمحبته نعيم النفوس “، فليس عند القلوب السليمة أحلى ولا ألذ ولا أطيب ولا أنعم من محبته – عز وجل – والأُنس به والحلاوة التي يجدها المؤمن في قلبه فوق كل حلاوةٍ فوق كل حلاوة فكلما زاد الإيمان وقوي انتهى كلامه فكلما زاد الإيمان و قوي كلما شعر المسلم بحلاوة الإيمان ووجد لذة الطاعة، وكلما زادت محبته لربه وخالقه كلما زادت حلاوة الإيمان عنده، أمَّا محبة رسوله (ﷺ) فمعناها أداء حقه في الطاعة و الإتباع والولاء، يقول أيضًا ابن القيم في منزلة المحبة في مدارج السالكين يقول لمَّا كثُر المدعون المحبة لمَّا كثر المدعون للمحبة طولبوا بإقامة البينة على صحة الدعوى، قال تعالى { قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ }. فتأخر الخلق كلهم يقول ابن القيم ” وثبَتَ أتباعُ الحبيب في أفعاله وأقواله وأخلاقه ” من كلامه نعلم بأن من أكثر الناس حبًا للرسول أكثرهم إتباعًا له وتعلما لسُنته (ﷺ) والعمل بسُنته ودعوة الناس لهذه السُنة والصبر على الناس عند دعوتهم لسُنته (ﷺ) هؤلاء أكثر الناس حبًا لرسوله (ﷺ) و أكثر الناس صلاةً عليه (ﷺ) ثم ذكر ابن القيم الأسباب الجالبة لمحبة الله ورسوله (ﷺ) فقال: ١ _ ” قراءة القرآن بتدبر وتفهم لمعانيه و العمل به ” ٢_ ” التقرب إلى الله بالنوافل بعد الفرائض ” ٣_ ” دوام ذكر الله تعالى على كل حال ” ٤ _ ” إيثار محابه الله على محاب النفس  ” ٥_ ” مطالعة القلب لأسمائه وصفاته –  عز وجل – ” ٦_ ” إنكسار القلب بكُليتهِ بين يدي الله تعالى، الخلوة به وقت النزول الإلهي، مجالسة الصالحين والمحبين الصادقين فمحبة الله ومحبة رسوله (ﷺ) “، من أهم أسباب تحصيل حلاوة الإيمان ولذة الطاعة. الحُب في الله كما جاء في الحديث « أنْ يُحِبَّ المرءَ لا يُحِبُّه إلَّا للهِ »، الحب في الله أيضًا في الحديث الذي مر معنا، كذلك أيضًا يقول (ﷺ) : « من سرَّه أن يجدَ حلاوةَ الإيمانِ، فليُحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا للهِ »، فالمرء الرجل الإنسان قد يُحب أخر لماله أو جماله أو نسبه أو جاهه أو مصلحةٍ شخصية أو عرض دنيوي، لكن لا يشعر بحلاوة الإيمان إلا إذا حب لله تعالى ولدينه الحق سبحانه وتعالى. فأهم الأسباب التي تقوي الحب في الله بين المسلمين إخبارُ من تُحب أنك تُحبه في الله، هاي من أسباب تقوية هذه المحبة بالله. ١_ في الحديث الصحيح يقول (ﷺ) : « إذا أحَبَّ الرَّجلُ أَخاه فلْيُخْبِرْه أنَّه يُحبُّه » ذكره البخاري في الأدب المفرد و أبو داوود والترمذي. ٢_  إفشاء السلام بين المسلمين يقوي الحب في الله بينهم قال (ﷺ) : « ألا أدلُّكم على ما تحابُّون به ؟ قالوا : بلى، يا رسولَ اللهِ، قال : أَفشوا السلامَ بينَكم » رواه مسلم وغيره. ٣_  الهدية أيضًا في الحديث « تَهَادَوْا تَحَابُّوا » رواه البخاري في الأدب المفرد، كذلك الزيارة زيارات في الله تقوي المحبة في الله، الحرص على الطاعة وترك المعصية فإذا سرَّه أن يجدَ حلاوةَ الإيمانِ، فليُحبَّ المرءَ لا يحبُّه إلا للهِ. ٤_ السبب الرابع أيضًا جاء في الحديث «و أنْ يَكْرَهَ أنْ يَعودَ في الكُفرِ بعدَ إذْ أنقذَهُ اللهُ مِنْهُ؛ كَما يَكرَهُ أنْ يُلْقى في النارِ»، فالعبد المؤمن الذي يجد حلاوة لا إله إلّا الله محمد رسول الله يكره أن يستبدل هذه الحلاوة بمرارة الكفر ويكره الكفر، فمن يُحب أن يلقى في النار أو يلقي نفسه في النار فكراهية الكفر معناه أداء حق الإسلام في التمسك به ونبذ المبادئ التي تخالف شرع الله وتتعارض مع أحكامهِ هذه معناها كراهية الكفر و أهله أن يكره أن يعود في الكفر، من أسباب تحصيل حلاوة الإيمان ولذة الطاعة ذكر الله – عز وجل – الإكثارُ من ذكر الله – عز وجل – أخبر فقال { أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ } تطمئن القلوب، فالإكثار من ذكر الله – عز وجل –   والمحافظة على أذكار الصباح والمساء و الأذكار بعد الصلوات و الأذكار الشرعية الثابتة عن رسول (ﷺ)، أيضًا يقول (ﷺ) : «ما جلس قومٌ مجلسًا يذكرونَ اللهَ فيه إلَّا حفتهُم الملائكةُ وتغشتهُمُ الرحمةُ وتنزلَتْ عليهم السكينةُ وذكرَهُم اللهُ فيمن عندَه». فمجالس الذكر هي من أهم الأسباب لتحصيل حلاوة الإيمان، فذكر الله تعالى يجلب للقلب الفرح والسرور والبسط والطمأنينة وهو أيسر العبادات من أسباب أيضًا تحصيل حلاوة الإيمان ولذة الطاعة الرضا بالله ربًّا وبالأسلام دينًا وبمحمد رسولًا  كما جاء في صحيح مسلم عنه (ﷺ) أنه قال : « ذاقَ طَعْمَ الإيمانِ مَن رَضِيَ باللَّهِ رَبًّا، وبالإسْلامِ دِينًا، وبِمُحَمَّدٍ رَسولًا »، يقول النووي – رحمه الله – في شرحه معنى الحديث  لم يطلب غير الله تعالى ولم يسع في غير طريق الإسلام ولم يسلك إلا ما يوافق شريعة (ﷺ) لا شك في أن من كانت هذه صفته فقد خلُصت حلاوة الإيمان إلى قلبه وذاق طعمه، هذا كلام النووي – رحمه الله – في شرحه للحديث السابق. الرضا بالله ربًا يتضمن الرضا به معبودًا وناصرًا ومعينًا ورازقًا ووليًا، الرضا بالله ربًّا يتضمن الرضا بما قدره الله – عز وجل –  وقضاه، والرضا بالله ربًا يتضمن الرضا بما أمر به – عز وجل – وهناك أمور كثيرة تعين على الرضا بالله ربًا ومنها التوكل عليه سبحانه وتعالى و إلتزام أوامره وترك ما نهى عنه ومنها علم العبد برحمته – عز وجل – وشفقته عليه سبحانه وتعالى، الرضا بمحمد (ﷺ) رسولًا يتضمنُ الإنقياد له الإنقياد له والتسليم المطلق له فلا يتحاكم إلا إليه إلى شريعته (ﷺ)، فإذا قال (ﷺ) أو حكم أو أمر أو نهى رضي كل الرضا هذا المؤمن رضي كل الرضا وسلم تسليمًا كما قال الله – عز وجل – {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء : 65]، هذا هو الرضا بمحمد (ﷺ). الرضا بالإسلام دينًا يتضمن الرضا به منهجًا لنظام الحياة والإكتفاء بمنهج الإسلام و أن الله أكمله فلا تجوز الزيادة عليه ولا النقصان. الرضا بالإسلام دينًا يتضمن ترديد رضيت بالله ربًّا وبمحمد رسولًا و بالإسلام دينًا خاصةً من قال عند ما يسمع النداء قال (ﷺ) : « من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأنَّ محمدًا عبده ورسولُه، رضيتُ بالله ربًا وبمحمدٍ رسولًا وبالإسلام دِينا، غُفِرَ له ذَنْبُه »، هذا الحديث رواه مسلم في صحيحه، من قال حين يسمع المؤذن: أشهد أن لا إله إلا الله قُل و أنا أشهد أن لا إله ألّا الله وحده لا شريك له وأنَّ محمداً عبده ورسولُه، رضيتُ بالله ربًا وبمحمدٍ رسولًا وبالإسلام دِينا، غُفِرَ له ما تقدم من ذَنْبُه كما جاء في الحديث الآخر، فهذه أحاديث كلها صحيحة ترديد هذه القولة هي رضا بالله ربًّا وبمحمدٍ رسولًا وبالإسلام دينًا، كذلك من أذكار الصباح والمساء قوله (ﷺ) : « من يقولُ ثلاثَ مرَّاتٍ حين يُمْسي أو يُصبِحُ: رَضيتُ باللهِ رَبًّا، وبالإسلامِ دِينًا، وبمُحمَّدٍ نبيًّا؛ إلَّا كان حقًّا على اللهِ أنْ يُرضِيَه يَومَ القيامةِ » رواه الترمذي. فإذا سلك العبد أسباب الرضا بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد رسولًا ذاق طعم الإيمان ووجد حلاوة الطاعة. من أسباب تحصيل طعم الإيمان قوله (ﷺ) : «ثلاثٌ من فعلَهنَّ فقد طعِمَ الإيمانِ من عبدَ اللَّهَ وحدَهُ وأنَّهُ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ وأعطى زَكاةَ مالِهِ طيِّبةً بِها نفسُهُ رافدةً عليْهِ »، هذه الثلاث وهذا الحديث رواه أبو داوود وغيره وهو في صحيح الجامع الصغير هذه أسباب لتحصيل طعم الإيمان أردنا أن نذكرها، و أيضًا من أهم الأسباب لتحصيل طعم الإيمان وحلاوة الطاعة البعد عن المعاصي والذنوب والتوبة إلى الله – عز وجل – و الإستغفار منها، فالمعاصي تُقسي القلب وتحرم العبد لذة الطاعة وحلاوة الإيمان وترك الذنوب والمعاصي فيها حياة القلوب و إذا ترك العبد هذه الذنوب أحيا الله قلبه وذاق حلاوة الطاعة ولذة الإيمان. إذًا الإيمانٌ له حلاوة في القلب و أن للطاعة لذةٌ لا يشعر بها إلا من وفقه الله ثم أتخذ الأسباب التي تُحصَّل بها هذه الحلاوة وهذه اللذة فإذا شعر بها العبد المؤمن اجتهد أكثر في أداء الطاعات وتنفيذ الواجبات وترك المنهيات وستكون الطاعة يسيرة سهلة بفضل الله – عز وجل -، ثم بفضل هذه اللذة وهذه الحلاوة، نسأل الله تعالى أن يرزقنا و إياكم حلاوة الإيمان ولذة الطاعة و أن يحفظنا وإياكم ويحفظ بلادنا من كل سوء ويوفق ولاة أمورنا فيما يحب و يرضاه و أخر دعوانا أن الحمد لله  رب العالمين. اقرأ أيضا:

لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين

إنما الأعمال بالنيات

كم من جار متعلق بجاره

أعوذ بوجه الله الكريم