اللهم ارزقني حبك
- الحديث النبوي:
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ الخَطْمِيِّ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: “اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي حُبَّكَ وَحُبَّ مَنْ يَنْفَعُنِي حُبُّهُ عِنْدَكَ، اللَّهُمَّ مَا رَزَقْتَنِي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ قُوَّةً لِي فِيمَا تُحِبُّ، اللَّهُمَّ وَمَا زَوَيْتَ عَنِّي مِمَّا أُحِبُّ فَاجْعَلْهُ فَرَاغًا لِي فِيمَا تُحِبُّ”.
بقلب نقي، وروح عليا، تحيط نفسك بذات الدعاء، في كل وقت وكل حين، وتطيل.. ليُعلّمك ألا تميل، ويكن شعارك: لن أبرح باب الدعاء حتى أبلغ!
لتعلم دائمًا أن الدعاء هو طبيب القلوب.
البطاقة التعريفية || الراوي
هو عبد الله بن يزيد بن حصن الأنصاري، صحابي جليل، كنيته أبو موسى، شهد صلح الحديبية وعمره سبعة عشر سنة، عدّه ابن حجر من صغار الصحابة، فقد كان صغيرًا في عهد النبي ﷺ، شهد مع علي بن أبي طالب موقعة الجمل والنهروان وصفين، وكان واليًا لعبد الله بن الزبير على الكوفة، وكان كاتبه الشعبي، بنى دارًا له بالكوفة وأقام بها، ومات في خلافة عبد الله ابن الزبير.
في ظلال الحديث
الدعاء مفتاح كل خير، وملجأ كل قلب، وبداية الهداية لكل روح، هو اللغة القلبية بين العبد وربه، في الليل والنهار وكل زمان ومكان هو المنارة للدرب الإلهي، من أسمى العبادات الصالحة وأعظمها، كيف لا وقد أمر الله به في القرآن حين قال: “وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ“، وأكرمنا بالإجابة “وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ ۖ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ“، فكيف يغفل الإنسان عن هذه النعمة؟!
في هذا الحديث يعلمنا النبي ﷺ آداب الدعاء وكيف يدعو الله عز وجل.
“اللهم ارزقني حبك” أي يكون الله أحب إليّ من غيره، فإنه لا سعادة للروح ولا نعيم لنفس المؤمن وقلبه بغير حب الله
“اللهم ما رزقتني مما أحب” أي ما أنعمت به عليّ من مال ورزق وصحة وأولاد ومتاع الدنيا “فاجعله قوة لي فيما تحب” أي اجعله تمكينًا لي وعدة بأن استخدمه فيما ترضاه وتحبه من العبادات والطاعات، “اللهم وما زويت عني مما أحب” أي ما منعت عني مما أحبه وأتمناه من المال والرزق والأولاد، “فاجعله فراغًا لي فيما تحب” أي اجعل منعه عني سببًا في فراغ خاطري فتنشغل نفسي بطاعتك، ولا تملأ به قلبي كي لا ينشغل عن عبادتك، لأن غالب ما يُنعم به على العبد يكون سببًا في الانشغال به عن الأعمال الصالحة، وإذا منع منه تفرغ للطاعات.
هذا الحديث يندرج تحته عدة مراتب ودرجات منها: حب الله، والتوحيد، والشكر، والصبر، والرضا، وغير ذلك.. وقلما يجتمع ذلك في حديث قصير، فلله ما أندى الدعاء النبوي!
هل تريد قراءة في أمر آخر ؟ إليك حديث الألد الخصم
مرفأ القلوب آداب الدعاء
قال النبي ﷺ: “لَيْسَ شَيْءٌ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مِنْ الدُّعَاءِ”
به يرفع البلاء، وتنهمر الخيرات، وتُدفع الشرور، وبه يظل العبد في معية الله.
الدعاء له آداب وفضائل، لا بد للعبد أن يتعلمها، ليكون لدعاء ربه راغبًا وعلى عبادته مداومًا، ومن هذه الآداب:
- الوضوء.
- استقبال القبلة.
- الإخلاص.
- حضور القلب.
- رفع اليدين.
- يبدأ الدعاء بأسماء الله الحسنى، وبالثناء على الله وعلى رسوله، ويختم بذلك.
- الإلحاح في الدعاء.
- اليقين وحسن الظن بالله.
- عدم استعجال الإجابة.
- الخشوع والتضرع والإنابة.
- أن يكون صوت الدعاء خافتًا.
أشار النبي ﷺ إلى أركان الدعاء الثلاثة في دعوة ذي النون وهو في بطن الحوت:
- لا إله إلا أنت (توحيد).
- سبحانك (تنزيه).
- إني كنت من الظالمين (اعتراف بالذنب).
وبالتالي فإذا أراد المسلم أن يستجاب دعاؤه فعليه أن يبدأ بتوحيد الله والثناء عليه، ثم تنزيهه، ثم الاعتراف بالذنب، ثم يبدأ في دعائه.
مما يعين العبد على إجابة الدعاء هو تحرّي مواطن الإجابة، ومنها:
- ما بين الأذان والإقامة.
- في الثلث الأخير من الليل.
- في السفر.
- في السجود.
- عند هطول المطر.
- في آخر ساعة من يوم الجمعة.
- عند شرب ماء زمزم.
- في يوم عرفة.
- عند صياح الديك.
- بعد الصلاة المكتوبة.
بين ثنايا الحديث تأملات
“اللهم ارزقني حبك” يحمل معنيين: حب العبد لله، وحب الله للعبد.
حب العبد لله يكون بأن يعرفه حق المعرفة، وأن يرزقه دوام النظر إلى المصحف، يقول النبي ﷺ “من سرّه أن يحب الله ورسوله فليقرأ في المصحف”، والتأمل في نعمه وآلائه، والتدبر في أسمائه وصفاته جل وعلا، فإن رزقه الله ذلك فقد فاز فوزًا عظيمًا، وترتب على ذلك: التلذذ بالعبادة، والرضا، والإكثار من ذكره عز وجل، لأن المحب لا ينسى محبوبه.
حب الله للعبد، ولنيل تلك المحبة هناك ثلاث مفاتيح:
- المداومة على النوافل: “وما يزال عبدي يتقرب إليّ بالنوافل حتى أحبه”.
- اتباع النبي ﷺ.
- قراءة سورة الإخلاص بتدبر.
“وحب من ينفعني حبه عندك” أي حب الصالحين، وفي هذا دليل على أهمية الرفيق في رحلة السير إلى الله، وأن النبي ﷺ يعلمك أن تختار الرفيق أو الجليس على أساس دينه، فهذا من ستنفعك محبته.
“اللهم ما رزقتني مما أحب” الرزق المعلوم الذي تتمناه وتسعى إليه، غير كثير من الأرزاق غير المعلومة التي لا يدركها أو يشعر بأهميتها الكثير من الناس، الزرق المعلوم كالمال والأولاد والمنصب والأملاك، فهذا يتقاتل عليه الناس، أما غير المعلوم فهو كالمنع، بأن يمنع الله عنك رزقًا يكون سبب هلاكك في دينك وزيادة خطاياك، فيكون بذلك المنع هو عين العطاء.
وأيضا أعمال القلوب فهي من الرزق غير المعلوم، كالرضا والصبر والسكينة، التي إن وُجدت حولت حياة الفقراء إلى هناء ورغد، وإن غابت قلبت حياة الأغنياء إلى حزن وكبد.
“فاجعله قوة لي فيما تحب” وهنا يكمن شكر النعمة، أن تستعمل نعمته في الطاعات، فإن رزقك المال أنفقته في سبيل الله، وإن رزقك العلم نشرته بين الناس، وإن رزقك القوة استخدمتها في نصرة المظلوم، هكذا تحفظ النعمة وتشكر الله عليها.
“وما زويت عني مما أحب فاجعله فراغًا لي فيما تحب” أحيانا قد يسلبك الله نعمة بعد عطاء، فينهال على قلبك الحزن والغم، وأنت لا تدرك أن المنع تفريغ لأمر يحبه الله لك، فالسلب الرباني = عطاء، ومن يشعر بأن هذا السلب عطاء فقد حاز عطاءً آخر فوق العطاء، وهذا لا يشعر به أي أحد.
الرواء النبوي || من جوامع الدعاء
كان من هدي النبي ﷺ أن يدعو بجوامع الدعاء –وهي أدعية تحتوي على ألفاظ قليلة لكن بمعاني واسعة شاملة- ويترك ما عداها، وقد وردت في السنة ومنها:
- “اللَّهُمَّ أعِنَّا عَلَى ذِكْرِكَ، وَشُكْرِكَ، وَحُسْنِ عِبَادَتِكَ”.
- “اللهم ربَّنا آتِنا في الدنيا حسنةً، وفي الآخِرةِ حسنةً، وقِنا عذابَ النارِ”.
- “يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ”.
- “اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ”.
- “اللَّهمَّ اهدِني فيمن هديت، وعافِني فيمن عافيتَ، وتولَّني فيمن تولَّيتَ، وبارِك لي فيما أعطيتَ، وقني شرَّ ما قضيتَ، إنَّكَ تقضي ولا يقضى عليْكَ، وإنَّهُ لا يذلُّ من واليتَ، ولا يعزُّ من عاديتَ، تبارَكتَ ربَّنا وتعاليتَ”. وهذا الدعاء يُقال في قنوت الوتر -وهو آخر ركعة تُصلى في الليل- وقد علّمه النبي ﷺ للحسن بن علي رضي الله عنهما، وهذا بيان لحرص النبي ﷺ على الدعاء بجوامع الكلم وتعليمه.