تخطى إلى المحتوى

إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة

    إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة

     

    عَنْ أَوْسِ بْنِ أَبِي أَوْسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ، فِيهِ خُلِقَ آدَمُ، وَفِيهِ قُبِضَ، وَفِيهِ النَّفْخَةُ، وَفِيهِ الصَّعْقَةُ، فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ”. فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ عَلَيْكَ صَلَاتُنَا ‌وَقَدْ ‌أَرَمْتَ؟ -يَعْنِي وَقَدْ بَلِيتَ-، قَالَ: “إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ”. رواه أحمد (16162)، وابن ماجه (1085) و(1636)، وأبو داود (1047) و (1531) ، والنسائي (1374).

     

    شرح حديث إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة

    يرفع الله من يشاء، ويخفض من يشاء، ويقدم من يشاء ويؤخر من يشاء، وله في كل ذلك الحكمة البالغة.

    وقد فضّل الله أشخاصا على أشخاص، وأمكنة على أمكنة، وفضل أزمنة على أزمنة، وجعلها أكثر شرفا والعمل فيها أكثر أجرا، وحثّنا على تفضيل ما فضّله سبحانه وتعالى، قال سبحانه: (وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ).

    وإن مما أكرم الله به أمة محمد صلى الله عليه وسلم أن خصّها بأن هداها لمعرفة مكانة يوم الجمعة وتعظيمه ونيل ما أودع فيه من فضائل، وقد ضلّ عنه من قبلنا من الأمم، فعن أَبِي هُرَيْرَةَ وعَنْ حُذَيْفَةَ، قَالَا: قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «أَضَلَّ اللهُ عَنِ الْجُمُعَةِ مَنْ كَانَ قَبْلَنَا، فَكَانَ لِلْيَهُودِ يَوْمُ السَّبْتِ، وَكَانَ لِلنَّصَارَى يَوْمُ الْأَحَدِ، فَجَاءَ اللهُ بِنَا فَهَدَانَا اللهُ لِيَوْمِ الْجُمُعَةِ، فَجَعَلَ الْجُمُعَةَ، وَالسَّبْتَ، وَالْأَحَدَ، وَكَذَلِكَ هُمْ تَبَعٌ لَنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ، نَحْنُ الْآخِرُونَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا، وَالْأَوَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، الْمَقْضِيُّ لَهُمْ قَبْلَ الْخَلَائِقِ».

    اقرا أيضا:  شرح حديث سيد الاستغفار

     

    قيل: أن الله تعالى أمر الناس أن يجتمعوا في يوم، فيحمدوا الله الذي خلقهم ويشكروا نعمه التي لا تُحصى، ويشتغلوا بعبادة الله، ولم يعيّن لهم أفضل يوم لذلك، بل تركهم لاجتهادهم. فاختارت اليهود يوم السبت؛ لأنه اليوم الذي فرغ الله فيه عن خلق السماوات والأرضين، فكذلك ينبغي على الناس أن ينقطعوا عن أعمالهم وصنائعهم، ويتفرغوا للعبادة.

    واختارت النصارى يوم الأحد؛ لأنه اليوم الذي بدأ فيه الخلق، فتوجب الشكر والعبادة فيه.

    وهدى الله هذه الأمة فاختاروا يوم الجمعة؛ لأن خلق الإنسان كان يوم الجمعة، والإنسان خُلق للعبادة، كما قال تعالى: {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}، فكانت العبادة فيه أولى.

    ولأن يوم الجمعة هو يوم إيجاد الإنسان، وسائر الأيام فيها إيجاد ما ينفع الإنسان، والشكر على نعمة الوجود أهم.

     

     

    أفضل الأيام

     

    مِنْ أَفْضَلِ أَيَّامِكُمْ يَوْمُ الْجُمُعَةِ“، وهذه الرواية قيّدت الأفضلية المطلقة المفهومة من روايات أخرى، كقوله صلى الله عليه وسلم: “خَيْرُ يَوْمٍ طَلَعَتْ عَلَيْهِ الشَّمْسُ يَوْمُ الْجُمُعَةِ”، فقد اختلف العلماء في أفضل أيام السنة، فقيل يوم الجمعة، وقيل يوم عرفة وأفضل أيام الأسبوع يوم الجمعة، فتفضيل يوم الجمعة المطلق هو بالنسبة لغيره من أيام الأسبوع.

    والأفضلية هي بسبب ما خُصّ به دون سائر الأيام من صلاة الجمعة وما يكون فيها من اجتماع الناس كيوم عرفة، ويُستجاب دعاؤهم، وما يتبعها من فضائل كثيرة. ومن فضائله فضل صلاة الصبح فيه، فقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصلوات عند الله صلاة الصبح يوم الجمعة في جماعة”.

    وهذه الأفضلية والخيرية التي جعلها الله تعالى ليوم الجمعة هو حثّ لنا لنزداد من الأعمال الصالحة، لأن العمل الصالح يتضاعف أجره بفضيلة الزمان الذي يقع فيه.

    اطلع على:  شرح حديث المؤنسات الغاليات

     

     

     

    عظمة يوم الجمعة – إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة

    ومما زاد هذا اليوم تعظيما ومهابةً ما وقع فيه من أحداث عِظام وما سيحدث فيه من وقائع جسام. فاختصاص يوم الجمعة بهذه الأحداث لا يكون إلا لحكمة بالغة، تدلّ على مكانته من بين الأيام.

    وقد رأى القاضي عياض أنّ ما يقع في يوم الجمعة من أحداث لا يدلّ على فضيلتها؛ ففيه أهبط آدم من الجنة وفيه قيام الساعة؛ وليس هذا من الفضائل، بل هو من تعداد الأمور العظام التي وقعت فيه أو تقع فيه، ليكون هذا اليوم ذكرى للعبد، ليستعدّ بالأعمال الصالحة.

    وأجيب عن هذا بأنّ كلّ المذكورات تُعدّ من فضائل يوم الجمعة. وإخراج آدم من الجنة كان سببًا في إيجاد البشر، ومنهم الأنبياء والرسل والصالحون، وسببًا لمعرفة الله وعبادته اختيارًا، والتضرع والإخبات لله، والتوبة والطمع فيما عند الله، ومعاناة مشقة التكليف، والصبر على الابتلاء، وبكلّ ذلك امتاز بنو آدم عن غيرهم، وكان سببًا لرفعتهم. ولم يُطرد من الجنة، بل أُخرج لحكمة بالغة ولهدف وغاية ثم يعود إليها. وكذلك قيام الساعة يدلّ على فضيلة وخيرية يوم الجمعة؛ لأنه سببٌ لتعجيل إكرام الأنبياء والصالحين، وإظهار شرفهم، والانتقام لهم من أعدائهم.

    وهذه الأحداث العِظام التي تكون يوم الجمعة فيها ذكر المبدأ والمعاد، فخلْقُ آدم، وإدخاله الجنة وإخراجه منها واهباطه إلى الأرض، ووفاته، هي كلّها قضايا مبدأ الإنسان، وكلها كانت يوم الجمعة. وقيام الساعة، والنفخة والصعقة، هي كلّها من قضايا معاد الإنسان، وكلها تكون يوم الجمعة. فحريّ بكل مسلم أن يعظّم يوم الجمعة كما عظّمه الله، ويتذكّر فيه أباه آدم وما كان من قصته في الخطيئة والتوبة، وأنّ بني آدم كلّهم في امتحان واختبار. ويتذكّر أيضا الساعة وما بعدها ويخشى من دنوّ أجلها واقتراب وقتها، ويتذكّر فيه أيضا الجنة التي كانت موطنه الأول، ويشتاق إلى الرجوع إليها، بما يزداد فيه من العمل الصالح.

    ولهذا كان من السُّنة أن يُقرأ في صبح الجمعة، بسورتي السجدة والإنسان، وقد قيل إن الحكمة من ذلك ما فيهما من إشارة إلى مبدأ الخلق، وذكر المعاد، ويوم القيامة؛ لأن كل ذلك وقع أو سيقع يوم الجمعة.

    استفد من:  شرح حديث اني لاعطي الرجل وغيره احب الي منه

     

     

    خصائص يوم الجمعة

    أولا: “فِيهِ خُلِقَ آدَمُ”

    وآدم هو أبو البشر، وقد خلقه الله تعالى وأكرمه أيّما إكرام، فخلقه بيده، ونفخ فيه من روحه، وأسجد له ملائكته، وعلّمه أسماء كل شيء، وأسكنه جنته. وخلْق آدم وإيجاده بعد العدم كان سببا لحصول هذا الإكرام له؛ فلا شكّ أن اليوم الذي كان سببًا لحصول كل هذا الإكرام يكون خير يوم، ويختصّ بمزيد تشريف.

    وعبادة الله تعالى في اليوم الذي كان فيه أصل نشأتنا هو من شكر نعمة الإيجاد، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب صيام يوم الاثنين، ولما سئل عن ذلك قال: “ذلك يوم ولدت فيه أو بُعثتُ أو أُنزل عليّ فيه”، فشكرًا لنعمة الإيجاد كان يصوم. وهكذا يكون الاجتهاد في العبادة يوم الجمعة من شكر النعمة.

    مقال مفيد: اذا دخل اهل الجنة الجنة

     

    ثانيا: “وَفِيهِ قُبِضَ”

    ويجوز أن يكون هذا من تعداد الأمور العظيمة التي حدثت يوم الجمعة كما سبق. ويجوز أيضا أن يكون لبيان خيريّته وفضيلته؛ وذلك أنه لمّا كان من أمر آدم عليه السلام ما كان، وأُهبط إلى الدنيا، وأُبعد من الجنة، كان قبضه سبباً لخلاصه من ابتلاءات الدنيا، ووصوله إلى جوار ربّه في جنات النعيم، ورجوعه إلى مستقرّه الأوّل الذي أُخرج منه، فلهذا كان يوم الجمعة الذي قُبض فيه مختصًّا بمزيّة وفضل ليست في غيره.

    ومن النظائر الجديرة بالتأمّل أن لسائر المسلمين فضيلة بالوفاة في يوم الجمعة أيضا، فقد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَمُوتُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَوْ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ إِلا وَقَاهُ اللَّهُ فِتْنَةَ الْقَبْرِ”.

     

     

    ثالثا: “وَفِيهِ النَّفْخَةُ”

    وهي النفخ في الصور، وقد اختلف العلماء في عدد النفخات على قولين:

    – القول الأول: هما اثنتان، نفخة الصعق (فزعوا فماتوا)، ونفخة البعث. ويؤيده ظاهر هذا الحديث.

    – القول الثاني: هي ثلاث نفخات: نفخة الفزع، نفخة الصعق أو الموت، ونفخة البعث.

    وعليه اختلفوا في معنى النفخة في هذا الحديث:

    1-فمن أخذ بالقول الأول، قال المراد بالنفخة في هذا الحديث هي النفخة الثانية، وهي نفخة البعث والنشور، لقول الله تعالى: (ثم نفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون).

    2-ومن أخذ بالقول الثاني، قال المراد بها النفخة الأولى، وهي نفخة الفزع، لقوله تعالى: (ويوم يُنفخ في الصور ففزع من في السموات ومن في الأرض).

    وقد قيل إن ذكر النفخة هو بيان لفضل يوم الجمعة؛ فإن هذه النفخة هي بداية الحياة الثانية، وسبب لوصول أهل الطاعات إلى نعيم الجنة. وقيل إن ذكر النفخة هو من باب تعداد الأمور العظام التي تحدث فيه، وتعظيم ليوم الجمعة؛ فكما أنّ النفخة سبب لوصول أهل الطاعة إلى النعيم، فهي أيضا سبب لوصول أهل المعاصي إلى العذاب المقيم.

    مقالات ننصح بها:

     

    شرح حديث إن أتقاكم وأعلمكم بالله أنا

     

    شرح حديث يوشك ان يكون خير مال الرجل

     

    سيأتي على الناس سنوات خداعات

     

    اغتنم خمسا قبل خمس pdf

     

    إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة

    رابعا: “وَفِيهِ الصَّعْقَةُ”

    والصعقة هي الصوت العظيم الذي تنخلع له قلوب الناس فيموتون من هوله. قال تعالى: {وَنُفِخَ في الصورِ فَصَعقَ مَن في السموات ومنِ في الأرْضِ}.

    وقيل هي نفسها نفخة الفزع، فيصعقون من شدة الفزع. وقيل هي نفخة تكون بعدها. وقيل المقصود صعقة موسى عليه السلام.

     

     

     

    وظيفة يوم الجمعة

    فَأَكْثِرُوا عَلَيَّ مِنَ الصَّلَاةِ فِيهِ، فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ”.

    ولمّا كان يوم الجمعة من أفضل الأيام، واختصّ بمزيد من العبادات وإجابة الدعوات، شُرع لنا فيه الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، لأنها عبادة ودعاء، ولأن الله يُثيب عليها ويُجيب أدعية من لزمها ولو لم يسأل. كما أنّها سبب لخيري الدنيا والآخرة، فتُكفى همك ويُغفر ذنبك.

    وقد ربطها بالفاء لينبّه إلى اغتنام هذه الخيرية وأفضلية الأوقات في الإكثار من أفضل الأعمال، والجمعة سيد الأيام، فيُعمر بخدمة سيد الأنام، وعبادة الله تعالى في المواسم الفاضلة يزداد أجره، ويعظم ثوابه.

    فحثّنا على الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم يوم الجمعة وليلتها، ووعد من صلّى عليه أن تبلغه صلاته، فقال: (فَإِنَّ صَلَاتَكُمْ مَعْرُوضَةٌ عَلَيَّ). وقد خاض بعضهم في كيفية هذا العرض، والصواب أن نقول إنه من عالم الغيب، لا نعلم حقيقته، ولكن نؤمن به، ونركّز على الأمر الأهم في هذا وهو أنّ النبي صلى الله عليه وسلم ذكر لهم أن صلاتهم معروضة عليه لتكون صلاتهم عليه أكثر وأحسن وأكمل، فلا يستوي من يذكر شخصاً بحضرته مع من يذكره في غيبته. ثم لينبّههم ومن يأتي بعدهم إلى البقاء على الصلاة عليه؛ فإن صلاتهم عليه بعد موته كصلاتهم عليه في حياته وبحضرته.

    اطلع على:

     

    المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده

     

    الحياء شعبة من شعب الإيمان

     

    شرح حديث ما نقص مال من صدقة

     

    شرح حديث لله أشد فرحا بتوبة عبده

     

    شرح حديث بني الاسلام على خمس

     

     

    “فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ، وَكَيْفَ تُعْرَضُ عَلَيْكَ صَلَاتُنَا ‌وَقَدْ ‌أَرَمْتَ؟ -يَعْنِي وَقَدْ بَلِيتَ-“

    قوله: “وقد أَرَمْتَ” معناه بليت، يقال: أرم المال والناس، أي: فنوا، وأرض آرمة: لا تنبت شيئاً، والرميم: العظم البالي. وقد اختلفوا في ضبطها:

    1- فقيل: “أَرَمْتَ”، وأصله أَرْمَمْتَ أي صرت رميماً فحذفت الميم الأولى استثقالا للجمع بين المثلين، فنُقِلَت فتحةُ الميم الأُولى إلى الراء، فصارت: “أَرَمْتَ” بوزن «ضَرَبْت»، كما حذفت اللام من قولك: “ظلْت أفعل كذا” أي ظللت، وهي لغة فصيحة جاء بها القرآن في قوله تعالى: {ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا} [طه: 97] وقوله: {فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ} [الواقعة: 65] وأصله: ظلَلْت عليه وظلَلْتم تفكّهون. وهذا الضبط هو الصحيح.

    2- وقيل: “أُرِمْتَ” على البناء للمفعول، أي أَكَلَتْكَ الأرض؛ لأن الأرم هو الأكل، وأرمت الإبل تأرم: إذا تناولت العلف.

    3- وقيل: “أرْمَتَّ” بإدغام الميم الثانية في التاء. وهو غلط بلا شك؛ لأن الميم لا تدغم في التاء أبدًا.

    4- وقيل: “أَرَمَّتْ” بتشديد الميم، والتاء لتأنيث، يعني العظام.

    5- وقيل: “أرَمَّتَ” واشتهر هذا عند المحدثين، وقد غلّطهم ابن القيم، وحاول بعضهم تخريجه على لغة بعض العرب، وهم بكر بن وائل كما ذكر ذلك الخليل بن أحمد، فإنهم يقولون: ردَّتُ ورَدَّتَ، فقدروا الإدغام قبل دخول التاء.

     

     

    قَالَ: “إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ حَرَّمَ عَلَى الْأَرْضِ أَنْ تَأْكُلَ أَجْسَادَ الْأَنْبِيَاءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ”

    وقيل في الحكمة من ذلك أن التراب يطهّر الجسد إذا مرّ عليه، ولا يحتاج الأنبياء ذلك؛ فإنهم لا ذنوب لهم، ومثلهم الشهداء، لمّا كان مغفورا لهم لم يحتاجوا أن يُصلّى عليهم. ورأى بعض العلماء أن الأنبياء أحياء في قبورهم، اعتمادا على بعض الروايات والآثار، ولأنه ثبت عن بعضهم أنّهم يصلّون في قبورهم. وما ذكروه مفتقر إلى دليل صحيح، ثم إن عالم الغيب لا يُقاس على عالم الشهادة، والحياة البرزخية غير حياة الدنيا.

    وفي هذا خرق للسنن الكونية بقُدرة الله وأمره، فالنار التي تُحرق لو شاء الله لما أحرقت، والماء الذي يسيل لو شاء الله لثبت، وطبيعة الأرض التي تأكل الأجساد لو شاء الله لصارت هي من تحفظهم.

    وقد استشكل بعضهم تعليق عرض الصلاة عليه بحفظ أجسادهم، مع أنّ الموت هو المانع من العرض، وهو موجود حتى مع حفظ أجسادهم، والجواب: أن ما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم من حفظ أجساد الأنبياء هو جواب على قولهم “قد أرمت” وليس على العرض. ثم إن الله قد خرق العادة المستمرة بحفظ أجسادهم، فلا يُعجزه أن يخرق العادة بعرض صلاة من صلّى عليهم.

    فاللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد. اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.

     

     

    المراجع في شرح حديث إن من أفضل أيامكم يوم الجمعة

    معالم السنن للخطابي

    شرح مصابيح السنة لابن الملَك

    الميسر في شرح مصابيح السنة للتوربشتي

    تحفة الأبرار شرح مصابيح السنة للبيضاوي

    شرح المشكاة للطيبي

    تهذيب سنن أبي داود لابن القيم

    شرح سنن أبي داود لابن رسلان

    شرح سنن أبي داود للعيني

    فتح القريب المجيب على الترغيب والترهيب لحسن بن علي الفيومي

    حاشية السيوطي على سنن النسائي

    مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح لملا علي القاري

    القيامة الكبرى لعمر سليمان