إنما الأعمال بالنيات

إنما الأعمال بالنيات

فهذا الحديث الأول الذي بدأه البخاري رحمه الله حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول سمعه يقول، وفي رواية «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بالنِّيات»

كلها في صحيح البخاري يقول إنما الأعمال وفي رواية «العمل بالنية» كلها ثابتة

«وإنَّما لِكلِّ امرئٍ ما نوى» المرء يعني الانسان، وقد يطلق المرء على الرجل عند العرب، لكل امرئ ما نوى لكل انسان ما نوى

فالأعمال سببها النيات تقبل إذا كانت النية وجه الله عز وجل، وترد اذا كانت النية غير ذلك إنما الاعمال بالنيات، وانما لكل امرئ ما نوى

فمن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، هجرته يعني انتقاله، والهجرة لغةً: الترك.

يقال فلان هجر المعصية أي ترك المعصية، فلان هجر بيته يعني ترك بيته، والهجرة إلى الشيء الانتقال إليه عن غيره.

أما في الشرع فالهجرة: عرفها رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك ما نهى الله عنه، هذا هو تعريفه في الشرع ترك ما نهى الله عنه.

 

إنما الأعمال بالنيات

فهذا الحديث حديث الأعمال بالنيات بدأه البخاري رحمه الله بهذا اللفظ الذي جاء ولا شك هناك ألفاظ أخرى لهذا الحديث، وهذا الحديث نفسه أول حديث في الأربعين النووية، وجاء هناك الاختلاف في اللفظ «إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى، فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهِجْرَتُهُ إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ، وَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ لدُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا» يتزوجها. «فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ»

دنيا يصيبها يعني يحصلها، يحصل من أغراض الدنيا فهجرته إلى ما هاجر إليه إلى هذه الدنيا، والذي أيضاً هاجر إلى امرأة يتزوجها فهجرته الى ما هاجر اليه.

هذا الحديث فيه فوائد في النية نتكلم عنها إن شاء الله

بالنسبة للهجرة في الاسلام وقعت على وجهين قال فمن كانت هجرته الى دنيا يصيبها، الهجرة في الاسلام وقعت على وجهين:-

الوجه الأول: الانتقال عن دار الخوف إلى دار الأمن، كما في هجرتَي الحبشة الهجرة الأولى والهجرة الثانية للحبشة

انتقال من دار الخوف إلى دار الامن، والنبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بالهجرة، هذا الوجه الاول الذي وقعت فيه الهجرة في الإسلام، هجرة بمعنى انتقال عن دار الخوف إلى دار الأمن

كما في هجرتي الحبشة، وابتداء الهجرة إلى المدينة قبل أن يهاجر النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ويعلن هناك الدولة.

الوجه الثاني: من الهجرة التي وقعت في الاسلام: الهجرة من دار الكفر إلى دار الايمان مكة إلى المدينة وهذه الهجرة باقية إلى يوم القيامة.

الهجرة من دار الكفر إلى دار الايمان هذه باقية، مأمور المسلم أن لا يبقى إلا لمصلحة أو لسبب شرعي، يجب عليه أن يهاجر إلى بلاد الإسلام.

هذا الحديث بدأه البخاري رحمه الله والظاهر أنه ليس له علاقة بالباب أو الكتاب كتاب بدء الوحي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويأتي حديث إنما الاعمال بالنيات، أين الكلام عن الوحي في هذا الحديث؟ فشرّاح صحيح البخاري ذكروا مناسبة الحديث للباب قالوا ان المؤلف البخاري رحمه الله أراد حسن نيته في هذا التأليف.

ابتدأ صحيح الإمام البخاري جمع فيه آلاف الأحاديث، أول حديث حديث «إنما الأعمال بالنية» حتى يبتدأ هذا الكتاب بحسن نيته، كأنه يقول صنفت هذا الكتاب لهذه الأمة خالصاً لوجه الله، صنفته لوجه الله عز وجل لا أريد شيئاً من الدنيا هذا قول

وبعضهم قالوا أراد التبرك به، التبرك بهذا الحديث فجعله في مقدمة صحيحه رحمه الله

وقيل وهذا قول قد يكون أوضح: إن الكتاب صحيح البخاري لما كان هذا الكتاب لجمع وحي السنة لأن الوحي وحيان:

وحي القرآن، ووحي السنة. كلام النبي صلى الله عليه وسلم وحي « إِنْ هُوَ إِلا وَحْيٌ يُوحَى» الله عز وجل ذكر أنه وحي، فقالوا ان الكتاب صحيح البخاري لما كان لجمع وحي السنة صدره ببدء الوحي

ولما كان الوحي لبيان الأعمال الشرعية صدره بحديث الأعمال بالنية هذا قول قوي. قالوا إن الكتاب صحيح البخاري لما لجمع وحي السنة صدره ببدء الوحي وحي السنة، فقال كتاب بدء الوحي ولما كان الوحي لبيان الأعمال الشرعية، عقيدة المسلم، عباداته، معاملاته، أخلاقه، سلوكه، الأعمال الشرعية صدره بحديث الأعمال بالنية

فلابد للمسلم أن يستحضر النية في جميع أعماله التي ستأتي في الوحي الذي بعده التي تأتي بالأحاديث التي جمعها الإمام البخاري رحمه الله في صحيحه، وهذه المناسبة قوية لهذا الكتاب.

اقرأ أيضا:

مثل المؤمنين في توادهم

إنما الأعمال بالنيات

مسائل النية قد تكون تكلمنا عن بعضها في شرح الأربعين النووية تكررت بعضاً منها ونضيف مسائل أخرى في مسائل النية لم نذكرها سابقاً في شرح الأربعين النووية، لاشك النية أمرها عظيم

والنية في العمل لها مرتبتان:

تمييز العادة عن العبادة مثل ترك الطعام، ترك الطعام إذا تركته الطعام حتى تخفف وزنك فهذه عادة، وإذا تركت الطعام لأنك ستصوم فتركك للطعام عبادة

النية هي التي ميزت العادة عن العبادة، فإذا ترك الإنسان عادة من غير نية التقرب إلى الله في هذا الترك فلا يُثاب عليها لأنها عادة وإذا تركه عبادة للفريضة أو النافلة فيثاب عليها، فلذلك يتميز كل منهما بالنية العادة والعبادة تتميز بالنية لذلك لابد من النية

لذلك النية شرط من شروط صحة العمل كذلك الهدية والوليمة هذي لابد من النية حتى تتميز العادة عن العبادة، فلابد للمسلم أن يستحضر نية التقرب إلى الله عز وجل في هذه العادات حتى يُثاب عليها حتى تتحول إلى عبادة.

المرتبة الثانية للنية في العمل تمييز العبادات بعضها من بعض: فبعض العبادات فرض عين الصلوات الخمس وصيام رمضان والحج مرة واحدة في العمر فرض عين لمن استطاع، وبعضها فرض كفاية كصلاة الجنازة، ورد السلام، والجهاد وغيرها وبعض العبادات سنن راتبة أو وتر أو ضحى أو غيرها من الصلوات، وبعضها سنن مطلقة

فهذه تتميز بالنية فتمييز العبادات بعضها من بعض يحتاج إلى نية تتميز بالنية، فلابد من تمييز بعضها من بعض بنية، كذلك المباحات الأكل والشرب والنوم واللباس وغيرها من العادات إذا نوى بها التقرب إلى الله عز وجل والتقوي على طاعة الله عز وجل فيثاب عليها فالنية أمرها مهم جداً في حياة المسلم.

الأعمال بالنية قاعدة فقهية اتفق عليها أهل العلم أو الأمور بمقاصدها قاعدة فقهية من القواعد الكبرى الجامعة لمئات المسائل من مسائل الدين، النية شرط لسائر العمل بها الصلاح والفساد للعمل، إذن النية هي التي تكون سبب لصلاح العمل مع الاتباع، كذلك أيضاً النية إذا فسدت أو إذا كانت لغير وجه الله يفسد العمل

يتعب الإنسان نفسه في هذا العمل لا يثاب عليه إذا لم ينوي أن يكون لوجه الله عز وجل، فتصرفات المكلف تختلف أحكامها باختلاف نيتها وقصده، فإذا صلحت النية صلحت الأقوال والأعمال وإذا فسدت النية فسدت الأقوال والأفعال.

اقرأ أيضا:

كم من جار متعلق بجاره

أعوذ بوجه الله الكريم

رديه فيه ثم اعجنيه

ترفع للميت بعد موته درجته

 

تُشترط النية في فعل المأمورات، كل ما جاء الأمر به الشرع وأراد العمل لابد من النية

ولا تشترط النية في ترك المحذورات المنهيات ما نهى عنها الشرع، لا تشترط النية، الإنسان إذا لم يفعل المحرم لا يشترط النية في تركها فإذا كان لا يشرب الخمر هو التزم بأمر الله عز وجل وانتهى عما نهى عنه الله عز وجل وانتهى عن شرب الخمر، لا تشترط النية في تركه شرب الخمر، لكن لو نوى ترك شرب الخمر لوجه الله عز وجل يثاب على نيته

وهكذا الربا وهكذا كل ما نهى عنه الشرع، وهذه تغيب عن كثير من المسلمين لا يفعلون كثير من المنهيات لا يحاسبون عليها، لكن لو تركوها لوجه الله عز وجل لأنه نهى عنها يثابون على هذه النية، فكم من المحرمات نتركها ولا نفعلها، لكن لا نثاب عليها لعدم وجود النية فيستحضر الإنسان دائماً إذا طرأ له طرأ أو تعرض لما نهى الله عنه، وتركه لوجه الله يثاب عليه بنيته فالنية أمرها عظيم، كم من الناس تفوتهم الأجور العظيمة والثواب الكثير بسبب عدم فقه مسائل النية.

قال الإمام القرافي رحمه الله في كتابه الأمية في صلاح النية، يقول القرافي رحمه الله النواهي كلها يخرج الإنسان من عهدتها بتركها، ما دام انه ما فعل المنهي عنه لا يحاسب عنه، قال وإن لم يشعر بها فضلاً عن القصد إليها، ولو ما كان عنده نية في ترك النواهي لا يحاسب عليها، لكن لو نوى في تركها وجه الله عز وجل، التزام ما نهى الله عز وجل، الانتهاء عما نهى عنه فيثاب على هذه النية، لذلك قال الإمام النووي رحمه الله ذهب للجمهور من أهل العلم أن الترك لا يحتاج إلى نية، ترك المنهيات لا يحتاج إلى نية

لاشك أن العبادة لابد لها من شرطين: 1- إخلاص النية لله عز وجل، 2- والاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإن فقد العلم -أنا أوجه الان كلامي لطلبة علم طلبة جاءوا يطلبون العلم فعليكم بالإخلاص في الطلب- فإن فقد العلم الإخلاص فلا تقبل العبادة، ولا شيء يضر بالعلم مثل الرياء والتسميع يعني حب السمعة والشهرة، حب الظهور، طلب الدنيا هذه تضر وتفسد العمل ويحاسب عليها الإنسان يوم القيامة، بل هذا من كبائر الذنوب أن الإنسان يطلب العلم الشرعي رياء وسمعة وحب الظهور. قال صلى الله عليه وسلم «من تعلَّم علمًا مما يبتغى به وجهَ اللهِ تعالى، لا يتعلَّمُه إلا ليُصيبَ به عرضًا من الدنيا لم يجِدْ عَرْفَ الجنةِ يومَ القيامةِ» لم يجد ريح الجنة، رائحة الجنة لا يجده، يتعلم العلم يحضر مجالس العلم مما يبتغى به وجه الله، لا يتعلمه إلا ليصيب به عوضاً من الدنيا، لم يجد عرف الجنة يوم القيامة. حديث صحيح رواه أحمد وأبو داوود وهو في صحيح الجامع الصغير، فالإنسان ينتبه لمثل هذا الوعيد كذلك جاء في حديث آخر، قال صلى الله عليه وسلم «مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ لِيُمَارِيَ بِهِ السُّفَهَاءَ أَوْ لِيُبَاهِيَ بِهِ الْعُلَمَاءَ أَوْ لِيَصْرِفَ وُجُوهَ النَّاسِ إِلَيْهِ فَهُوَ فِي النَّارِ أَدْخله الله جَهَنم» رواه ابن ماجه وهو في صحيح الجامع الصغير، مثل هذه الأحاديث يخاف المسلم من هذا الوعيد الشديد فعليه أن يخلص نيته في طلب العلم، يقول الخطيب البغدادي رحمه الله قال يجب على طالب الحديث أن يخلص نيته من طلبه ويكون قصده وجه الله سبحانه وتعالى، وليحذر أن يجعله -يجعل هذا العلم- سبيلاً إلى نيل الأعراف وطريقاً إلى أخذ الأعواض -فقد جاء الوعيد لمن ابتغى ذلك بعلمه- قال وينبغي لطالب الحديث أن يتميز في عامة أموره عن طرائق العوام. باستعمال آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أمكنه يتعلم السنة ويعمل بها فيتميز عن غيره من عوام الناس ومن جهلة الناس ومن أهل الأهواء، ينبغي لطالب الحديث ان يتميز في عامة أموره كلام الخطيب البغدادي رحمه الله، ينبغي لطالب العلم لطالب الحديث أن يتميز في عامة أموره عن طرائق العوام باستعمال آثار رسول الله صلى الله عليه ما أمكنه. وتوظيف السنن على نفسه فإن الله تعالى يقول «لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ» انتهى كلامه رحمه الله. فالإخلاص الإخلاص الشرط الاول.

أما الشرط الثاني فهو المتابعة لرسول الله عليه وسلم بمعرفة سننه وأحاديثه والعمل بها في جميع العبادات والمعاملات والآداب والأخلاق، وقبل ذلك في أمور العقيدة والتوحيد، يقول الحسن البصري والله كان الرجل يطلب العلم، فلا يلبث إلا يسيرا حتى يرى أثر العلم في صلاته وخشوعه وكلامه وسمته، يتغير كان عامياً، لكن بدأ يطلب العلم فلا يلبث يسيراً أسبوع أسبوعين شهر شهرين سنة حتى يُرى اثر العلم يتعلم سنة النبي صلى الله عليه وسلم ويبدأ في التطبيق في العمل فيظهر أثر ذلك في صلاته يتحرى في الصلاة لا يفعل حركة أو يقول قولاً إلا عليه دليل، وفيه اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم الذي قال «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِى أُصَلِّى» ليس على هواك تصلي، كما رأيتموه صلى الله عليه وسلم تصلون متابعة، وهكذا كان الرجل يطلب العلم فلا يلبث إلا يسيراً حتى يرى أثر العلم في صلاته وخشوعه وكلامه وسمته، حتى هيئته يظهر عليه أثر العلم بالسنة وهذا أثر الحسن البصري رواه الإمام أحمد بسند صحيح في كتاب الزهد.

مسألة أو قاعدة مهمة جداً فيما يتعلق بالنية، النية الحسنة لا تجعل المنكر معروفاً، ولا تجعل البدعة سنة فكم مريد للخير لن يصيبه، هذي قاعدة مهمة جداً نركز عليها في درس اليوم، النية الحسنة لا تجعل المنكر معروفاً والبدعة سنة فكم من مريد للخير لن يصيبه، لا يقبل الله تعالى من العمل إلا إذا كان خالصاً صواباً، النية الحسنة والصواب هو المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فما دام هذا الأمر منكراً فهو منكر. النية الصالحة لا تحسن، النية الحسنة لا تجعل هذا المنكر معروفاً، وهذه البدعة لا تجعلها سنة كم من الناس الآن يعبدون الله عز وجل بنية حسنة لكن ليس فيها متابعة، يحدثون في دين الله عز وجل فهذه لا تنفعهم النية الحسنة، لابد من المتابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ونذكر لكم أمثلة من حياة الصحابة رضي الله عنهم وأئمة الإسلام وإنكارهم لمن أحدث في دين الله عز وجل ولو كانت نيته حسنة. جاء أبو موسى الأشعري رضي الله عنه إلى عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه، جاءه إلى بيته طرق عليه الباب، قال يا أبا عبد الرحمن إني رأيت في المسجد آنفاً أمراً أنكرته، رأيت قوماً حلقاً جلوساً ينتظرون الصلاة، في كل حلقة رجل منهم وفي أيديهم حصى فيقول كبروا مئة فيكبرون مئة، فيقول هللوا مئة ثم سبحوا مئة، قال ابن مسعود فماذا قلت لهم يا أبا موسى ماذا قلت لهم؟ قال ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك. عالم فقيه من فقهاء الصحابة عبد الله ابن مسعود رضي الله عنه، فلجأ أبو موسى الأشعري إلى هذا العالم الذي زكاه رسول الله صلى الله عليه وسلم زكى علمه، قال مسعود ماذا قلت لهم؟ قال ما قلت لهم شيئاً انتظار رأيك، قال أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم؟ ناس في المسجد حلقة هنا وهناك وهناك، واحد واقف ويقول سبحوا مئة، سبحان الله سبحان الله بالحصى، يقول ابن مسعود هلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم؟ أفلا أمرتهم أن يعدوا سيئاتهم؟ وضمنت لهم أن لا يضيع من حسناتهم ثم مضى، لبس ثيابه ومضى هو وأبو موسى الأشعري رضي الله عنهما إلى المسجد، ثم مضى ومضينا معه حتى أتى حلقة من هذه الحلق فوقف عليهم عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، فقال ما هذا الذي أراكم تصنعون؟ قالوا يا أبا عبد الرحمن -شف نية حسنة- يا أبا عبد الرحمن حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح، نية حسنة لكن أين الاتباع؟ لا يوجد اتباع لذلك أنكر عليهم عبد الله ابن مسعود حصى نعد به التكبير والتهليل والتسبيح ما فيها شيء، زيادة الخير خير زي ما يقول بعض الناس، قال فعدوا سيئاتكم فأنا ضامن أن لا يضيع من حسناتكم شيء، ويحكم يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم هؤلاء هؤلاء صحابة نبيكم صلى الله عليه وسلم متوافرون وهذه ثيابه لم تبلى وانيته لم تكسر، والذي نفسي بيده انكم لعلى ملة أهدى من ملة محمد صلى الله عليه وسلم أو مفتتحوا باب ضلالة، قالوا والله يا أبا عبد الرحمن ما أردنا إلا الخير قال وكم من مريد الخير لن يصيبه، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا ان قوماً يقرأون القرآن لا يجاوز تراقيهم وأيم الله ما أدري لعل أكثرهم منكم، لعل هؤلاء الخوارج أكثرهم منكم أصحاب الحلق في هذا المسجد، هو يقول هذا الكلام ما يعلم الغيب، ثم تولى عنهم، فقال عمر بن سلمة الراوي عن أبي موسى: رأينا عامة أولئك الخلق يطاعنوننا يوم النهروان مع الخوارج، أصحاب الحلق نيتهم حسنة لكن ما تابعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، لم يعملوا بالسنة خالفوا السنة، النية الحسنة لا تجعل البدعة سنة، فعلهم بدعة، هذا الأثر رواه الدارمي في سننه وغيره، والقصة لها طرق كثيرة ذكرها الهيثمي في مجمع الزوائد، هذا الأثر فيه فوائد كثيرة من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن الذي شرع الغاية لم ينسى الوسيلة، الذي شرع هذا الدين رسول الله صلى الله عليه وسلم لن ينسى الوسيلة، فعندما شرع الله عز وجل الذكر لم ينسى وسيلته، فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعقد التسبيح بيمينه، ويقول إنهن مستنطقات، ما في داعي لهذا الحصى، أنكر عليهم أنهم يسبحون بالحصى وهكذا قال أيضاً من فوائد هذا الأثر البدعة الإضافية ضلالة وهي التي تستند إلى دليل من جهة الأصل وغير مستندة من جهة الكيف والصفة، شف الإنسان قد يفعل فعل ويقول هذه صلاة، هذه قراءة للقرآن، لكن الكيفية الصفة العدد المكان الذي حددته هذا يحتاج إلى دليل خاص، لازم يحتاج إلى دليل خاص فالعبادة إذا كانت عامة أو مطلقة لا تقيد بوقت أو عدد أو صفة أو مكان إلا بدليل شرعي، هؤلاء قيدوا بغير دليل فما نفعتهم هذه النية الحسنة، لا يُعبد الله إلا بما شرع لا بالأهواء والعوائد والبدع لا يفعل الإنسان عبادة إلا لابد أن يتحرى الدليل عليها، البدعة تميت السنة فهم سبحوا بالحصى وأماتوا سنة التسبيح بالأصابع، قال التابعي الجليل حسان بن عطية رحمه الله: ما ابتدع قوم بدعة في دينهم إلا نزع من سنتهم مثلها. البدعة سبب الهلاك، قال ابن مسعود: لو تركتم سنة نبيكم لضللتم، الضلال والهلاك كما رواه مسلم هذا الأثر عن ابن مسعود هذا القول، ‏وقال لأصحاب الحلق يا أمة محمد ما أسرع هلكتكم تعملون عملاً لم يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا هو الهلاك، أن الصحابة جميعهم على هذا الإنكار، لأن ابن مسعود احتج على الحلق بأن الصحابة متوافرون، ما في ولا صحابي جالس في الحلق، فهل هناك عبادة يتعبد الله عز وجل بها ولا يعرفها الصحابة ولا يتعبدونها؟! فلم يكن صحابي واحد في هذه الحلق، وهذا الذي احتج به ابن مسعود رضي الله عنه أن الصحابة متوافرون، البدعة تفتح باب الخلاف وهو باب الضلالة. قال ابن مسعود أومفتتحوا باب ضلالة! يتحلقون في المسجد ويفعلون فعلاً يظنون أنهم يثابون عليه، لكنه ليس عليه دليل، ليس فيه متابعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فهذا باب ضلالة البدعة باب ضلال لذلك على الإنسان أن يتمسك بسنة النبي صلى الله عليه وسلم، قال صلى الله عليه وسلم «تمسكوا بسنتي» ثم قال «وعَضّوا عليها بالنواجذِ» سنة النبي صلى الله عليه وسلم. وفي هذا الدرس صحيح البخاري نتعلم سنته صلى الله عليه وسلم، فإذا أيضاً -مهمة جداً من هذا الأثر- التقليل من شأن البدع ما أردنا إلا الخير قالوا، فالتقليل من شأن البدع يقود إلى الفسوق والعصيان هم استهانوا بالسنة لم يطلبوا الدليل على فعلهم، تجرأوا على الدين، وأحدثوا في الدين في أمر بسيط تسبيح بحصى، حلق، فأدى بهم إلى أنهم أصبحوا في صفوف الخوارج. قال الحسن بن علي البربهاري رحمه الله من أصحاب الإمام أحمد يقول: واحذر صغار المحدثات فإن صغار البدع تعود حتى تصير كباراً، وكذلك كل بدعة أحدثت في هذه الأمة كان أولها صغيراً لا يشبه الحق فاغتر بذلك من دخل فيها، ثم لم يستطع المخرج منها، فعظمت وصارت دينا يدان به، فخالف الصراط المستقيم فخرج من الإسلام. النية الحسنة لا تجعل الباطل حقاً، قالوا ما أردنا إلا الخير، نية حسنة. قال ابن مسعود: وكم من مريد للخير لن يصيبه.

إنما الأعمال بالنيات

أثر آخر عن عبد الله ابن عمر رضي الله عنهما كان من أشد الصحابة انكارا للبدع وهجر للمبتدعين، فقد سمع رجلاً يعطس عبدالله بن عمر صحابي جليل سمع رجلاً يعطس فقال هذا الرجل الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، فقال له ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل قال إذا عطس أحدكم فليحمد ولم يقل وليصلي على رسول الله. رواه الترمذي في سننه والمزني في تهذيب الكمال والحاكم في المستدرك أثر صحيح. أنكر عليه هل ينكر على شخص يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم، أنكر عليه لأنه صلى على النبي صلى الله عليه وسلم، هو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم كذكر من أذكار العطاس، ذكر العطاس: الحمد لله ما في والصلاة على رسول الله في الأثر، لكنه أضاف استدرك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، لذلك أنكر عليهم مباشرة، ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، الاتباع، لابد من الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم. سمع رجلاً يعطس فقال: الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، قال: ما هكذا علمنا رسول الله، شف لم يشمته حتى، أنكر عليه، ما هكذا علمنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال صلى الله عليه وسلم «إذا عطَسَ أحدُكُم فليحمدَ الله» ولم يقل وليصلي على رسول الله صلى الله عليه وسلم. سعيد ابن المسيب من التابعين، امام التابعين سعيد بن المسيب رحمه الله رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين يصلي بعد أذان الصبح قام يصلي، يكثر فيهما الركوع والسجود، يصلي ركعات كثيرة، فقال له: لا تفعل، نهاهم، سعيد بن المسيب الإمام ينهى واحد يصلي. فقال هذا الرجل يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة؟ كيف؟ إذن نيته حسنة، لكن ما في متابعة، قال له لا ولكن يعذبك على خلاف السنة هذي قاعدة مهمة جداً. رأى رجلاً يصلي بعد طلوع الفجر أكثر من ركعتين، والحديث الصحيح يقول صلى الله عليه وسلم لا صلاة بعد الفجر إلا سجدتين، سنة الصبح فقط، هنا تحرم النافلة بين أذان الصبح والإقامة لا يجوز، لا تجوز صلاة النافلة المطلقة لا تجوز. قال صلى الله عليه وسلم «لا صلاةَ بعدَ طُلوعِ الفَجرِ إلَّا سجدتين» فقط أو من ذوات الأسباب كتحية المسجد أو غيرها، لكن لغير سبب لا لا تجوز، هذا الشخص قام يصلي بعد أذان الصبح ركعتين وركعتين وركعتين ويطيل فسعيد ابن المسيب أنكر عليه. فقال يا أبا محمد يعذبني الله على الصلاة أصلي أنا، قال لا ولكن يعذبك على خلاف السنة. متابعة من أمرك بأن تصلي في هذا الوقت أكثر من ركعتين؟ من أين أتيت بها؟ أين دليلك؟ ليس عنده دليل أنكر عليه الامام، فهذا الأثر أيضاً رواه البيهقي في السنن الكبرى بإسناد صحيح.

إنما الأعمال بالنيات

ونختم بأثر أخير حتى لا نطيل عليكم. عن الإمام مالك رحمه الله، إمامنا وامام دار الهجرة أتاه رجل فقال يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ الإمام مالك رحمه الله في المسجد النبوي فأتاه هذا الرجل يا أبا عبد الله من أين أحرم؟ قال من ذي الحليفة علمه السنة النبي صلى الله عليه وسلم أحرم من ذو الحليفة للعمرة او للحج، قال له من ذي الحليفة من حيث أحرم رسول الله صلى الله عليه وسلم، علمه السنة، فقال هذا الرجل إني أريد أن أحرم من المسجد من عند القبر. شف قال له السنة لكن أبى ما يريد السنة، يريد يزيد على السنة، يزيد على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كأنه يستدرك كانه يظن نفسه يفعل فعل أفضل من رسول الله صلى الله عليه وسلم، هنا تأتي الخطورة هنا تأتي الفتنة، هنا يأتي الزيغ والضلال إذا اعتقد المسلم هذا الاعتقاد، فقال إني أريد أن أحرم من المسجد عند القبر، قال مالك: لا تفعل فإني أخشى عليك الفتنة، فقالوا وأي فتنة هذه؟ شوف نية صالحة نية حسنة نيته طيبة هذا الرجل وأي فتنة هذه؟ إنما هي أميال أزيدها! أميال أزيدها قبل الميقات بأميال، قال له مالك: وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، إني سمعت الله يقول «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» احتج له الامام مالك رحمه الله بهذه الاية هو خالف امر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أمر بالاحرام من الميقات هذه سنته صلى الله عليه وسلم فلا يزيد الانسان ويستدرك على رسول الله صلى الله عليه وسلم «فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ» استدل عليه بهذه الآية، وأي فتنة أعظم من أن ترى أنك سبقت إلى فضيلة قصر عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فعلينا بالاتباع والبعد عن الابتداع في دين الله عز وجل، قال صلى الله عليه وسلم «مَن عَمِلَ عملًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ» راجع نفسك أيها المسلم، راجع عباداتك هل عليها دليل؟ هل فيها اتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ أم هي كما قال من ورد في هذه الآثار التي مرت معنا نريد الخير، لا يكفي، فالنية الحسنة لا تجعل المنكر معروفاً ولا تجعل البدعة سنة فكم من مريد للخير لن يصيبه.

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على محمد وعلى آله وصحبه وسلم، اللهم احفظنا واحفظ بلادنا وبلاد المسلمين من كل سوء، وثبتنا وإياكم على سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.

الشرح مستفاد من كلام الشيخ ابراهيم المزروعي وفقه الله في شرحه على مختصر صحيح البخاري الدرس الثالث

 

اقرأ أيضا:

كم من جار متعلق بجاره

أعوذ بوجه الله الكريم

رديه فيه ثم اعجنيه

ترفع للميت بعد موته درجته

 

Scroll to Top