الحديث النبوي:
“أَنَا فَرَطُكُمْ عَلَى الْحَوْضِ، ولَيُرْفَعَنَّ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْ أُمَّتِي حَتَّى إِذَا أَهْوَيْتُ لِأُنَاوِلَهُمْ؛ اخْتُلِجُوا دُونِي، فَأَقُولُ: أَيْ رَبِّ أَصْحَابِي، فيُقَالُ: إِنَّكَ لا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا بَعْدَكَ”.
ولأن القلب بحاجة إلى رواء، والنفس بحاجة إلى تزكية مستمرة، ابنِ بالماضي جديدك ولا تلفت، الله مع من صدق.. ولأن هذه الخطوات هي بداية الحصاد، فمن منا ستحمله همته على الوصول أولًا ويكون النبي ﷺ فرطه؟
البطاقة التعريفية || الراوي الذي روى حديث أنا فرطكم على الحوض
عبد الله بن مسعود، عالم من علماء الصحابة وأنجبهم، فهو حبر الأمة، كنيته أبو عبد الرحمن، وهو من السابقين للإسلام، فهو سادس ستة في الإسلام، أسلم مع سعيد بن زيد وفاطمة بنت الخطاب، شهد بدرًا وصلح الحديبية فلم يتخلف عن أي غزوة مع النبي ﷺ، وهاجر الهجرتين الأولى إلى الحبشة والثانية إلى المدينة، أول من جهر بالقرآن بعد النبي ﷺ، مناقبه كثيرة، واشتهر بعلمه الجم، مات سنة 32 أو 33 ودُفن بالبقيع، وكان عمره حينئذ 63 عامًا.
حديث آخر: المؤنسات الغاليات
حديث مهم: حديث رفقا بالقوارير
معنى و شرح حديث أنا فرطكم على الحوض
يلقي هذا الحديث الضوء على محطة مهمة من محطات الآخرة، محطة لا يصلها إلا الصادقون، الكوثر الذي تفضل الله به سبحانه وتعالى على نبيه ﷺ سيشرب منه المؤمنون الموحدون، وهذا جزاء الصادقين.
يخبرنا النبي ﷺ “أنا فَرَطُكم على الحوض”، والفرط من يتقدم القوم ليهيئ لهم الدلاء ويسقي لهم، يقول النبي ﷺ أنا سأتقدمكم وأقف على الحوض، وسيأتيني المؤمنون يشربون من حوضي شربةً لا يظمأ بعدها أحدًا.
ثم يأتي قوم يعرفون النبي ﷺ ويعرفهم، ولكن يُبعدون عن الحوض ويُمنعون من الوصول إليه، فيتساءل النبي ﷺ عن سبب إبعادهم، فيُقال له أنهم غيروا بعدك، فيقول النبي ﷺ “سُحقًا سُحقًا” أي بُعدًا لمن بدّل في الدين من بعدي، ويُحتمل أن يكون المقصود بهم من ارتدوا عن الإسلام بعد النبي ﷺ، أو ممن يكونوا أحدثوا بدعة أو معصية كبيرة، فيتبرأ النبي ﷺ منهم ويعرض عنهم ولا يشفع لهم امتثالًا لأمر الله سبحانه وتعالى، ومع هذا أيضًا فقد يشفع لهم النبي ﷺ مع شفاعته لأهل الكبائر من أمته، فيخرجون من النار مع الموحدين.
هذا الحديث ينبّه على أمر ضروري وهو البدعة والاستحداث في الدين، أو الإتيان بما يخالف القرآن والسنة، وهذا ما لا يرضاه الله ورسوله، ومن ينتهج هذا النهج فلا يستحق أن يسقيه النبي ﷺ من الحوض، ومن الفرق الضالّة التي أحدثت في الدين: الخوارج والروافض، والظلّمة ممن يسعون إلى كتم الحق والجور.
قال الإمام النّووي رحمه الله: “قال الإمام الحافظ أبو عمرو بن عبد البر: كل من أحدث في الدين فهو من المطرودين عن الحوض، كالخوارج، والرَّوافض، وسائر أصحاب الأهواء”.
من الأحاديث النبوية: من تعار من الليل
رحلة إلى الحوض || حقيقة الحوض
من لطف الله بعباده أنه جعل لهم في أرض المحشر أحواضًا من ماء يقف عليها الرسل، فلكل رسول حوض يرده من آمن به، حوض موسى وحوض نوح وحوض عيسى وأعظمهم حوض نبينا محمد ﷺ، وعن النبي ﷺ قال: “إنَّ لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوْضًا، وإنَّهُمْ يَتَبَاهَوْنَ أيُّهُمْ أكْثَرُ وارِدَةً، وإنِّي أرْجُو أَنْ أَكُونَ أكْثَرَهُمْ وَارِدَةً”، والحوض هو مكان مجتمع ماء عظيم، تفضل الله سبحانه وتعالى به على نبيه ليرد عليه المؤمنون من أمته يوم المحشر عندما يشتد عليهم الكرب وتدنو الشمس من رؤوس الخلائق، فيغمرهم العرق ويشعر الناس بالعطش، وهو حقٌ، ثابت بالسنة والإجماع، فالكثير من الأحاديث الصحيحة ذُكر أنها بلغت حد التواتر، ورواها عن النبي ﷺ أكثر من ثلاثين صحابي.
ذُكر في أوصافه أن ماؤه أشد بياضًا من اللبن ومن الوَرِق -أي الفضة-، وطعمه أحلى من العسل، فمن شرب منه لا يظمأ أبدًا، وريحه أطيب من المسك، أما مساحته فطوله وعرضه سواء، وسعته تقدّر بمسيرة شهر، قيل كالمسافة بين المدينة وصنعاء، أو بين عدن وعمان، أو بين المدينة وبيت المقدس، والمقصود من هذا كله هو أنه واسعٌ إلى حدٍ كبير، أباريقه كنجوم السماء في العدد واللمعان، وفيه ميزابان يمدانه بماء الكوثر من الجنة، أحدهما من ذهب والآخر من فضة، وهذا الحوض بهذه الأوصاف هو من خصائص سيدنا محمد ﷺ، والنبي ﷺ يتهافت عليه الناس من الأمم الأخرى لكي يردوا الحوض، لكن النبي ﷺ يعرفنا نحن أمته، والعلامة؟ واضحة: “تَرِدُونَ عَليَّ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِن آثارِ الوُضُوء”.
- من أدلة ثبوت الحوض حديث عبد الله بن عمرو مرفوعًا: “حوضي مسيرة شهر، وزواياه سواء ماؤه أبيض من اللبن، وريحه أطيب من المسك، وكيزانه كنجوم السماء، من يشرب منها فلا يظمأ أبدًا”، أما نهر الكوثر فهو نهر أعطاه الله للنبي ﷺ في الجنة “إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ”.
- أنكر المعتزلة والخوارج الحوض، لأنه أمر مخالف للعقل في زعمهم، فهم يؤولون الخبريات التي لا يقبلها عقل، ومنها الحوض.
أحاديث ننصحك بقراءتها:
المبعدون من حوض النبي صلى الله عليه وسلم
- أهل البدعة: فيهم تفصيل، لأن منهم الكافر والمسلم، والمبتدع الكافر لا يرد الحوض.
- الروافض: منهم الكافر والمسلم، فمن يتخذ منهم إلهًا غير الله فهو كافر، أما الرافضة من يفضلوا عليّا على عثمان فهؤلاء ليسوا بكفرة بل هم مبتدعون، ومن غلا في اتباع عليّ أو أهل البيت وقال إن النبوة لعلي فهو كافر مرتد.
- من استغاث ودعا بغير الله كافر مطلقًا، لأنه يعيش بين المسلمين وبَلَغَته الدعوة والقرآن والسنة.
- اليهود والنصارى: من أمة الدعوة، لن يردوا الحوض لأنهم من أهل النار.
أما الطائفة الناجية التي ترد الحوض هي من سارت على درب النبي ﷺ ونهجه.
خطوات نحو الحوض || الواردون
ذكر النبي ﷺ أن أول من يشرب من الحوض هم فقراء المهاجرين الذين عاشوا حياتهم دون أن يتذوّقوا نعيم الدنيا، فعن ثوبان ما رواه عن النبي ﷺ أنه قال: “أول الناس ورودًا عليه فقراء المهاجرين، الشعث رؤوسًا، الدنس ثيابًا، الذين لا ينكحون المتنعّمات، ولا تفتح لهم السدد”.
وأول من يرد الحوض أيضًا أهل اليمن، قال النبي ﷺ: “إني لبعقر حوضي، أذود الناس لأهل اليمن، أضرب بعصاي حتى يرفضّ عليهم..”، أي يُبعد الناس عن الحوض ليشرب أهل اليمن، وهذه كرامة لأهل اليمن لحُسن صنيعهم وسبقهم إلى الإسلام، فيدفع الناس ليشربوا كما دفعوا عن النبي ﷺ أعدائه في الدنيا.
من صفات الذين يردون الحوض الصابرون على بلاء الدنيا، عن النبي ﷺ قال: “إنكم ستلقون بعدي أثرةً، فاصبروا حتى تلقوني على الحوض”، وأيضًا من اتّسموا بالمحافظة على الوضوء، فعندما ذكر النبي ﷺ الحوض قال الصحابة: “يا رسول الله أوتعرفنا؟ قال: نعم، تردون على الحوض غرًّا محجلين من آثار الوضوء ليست لأحد غيركم”.
الفرق بين الحوض والكوثر
- الكوثر هو نهر في الجنة، أما الحوض فهو في أرض المحشر.
- الكوثر نهر جاري وهو أصل، أما الحوض مكان جمع الماء، فهو فرع عن الكوثر.
والنبي ﷺ قال عن الكوثر: “نَهْرٌ وَعَدَنِيهِ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ فِي الْجَنَّةِ عَلَيْهِ حَوْضٌ”.
وانظر: شرح حديث لا تزال طائفة من أمتي ظاهرين على الحق
فوائد وفرائد من حديث أنا فرطكم على الحوض
- البدعة والاستحداث في الدين هو أمر شديد الخطورة يهوي بصاحبه في النار.
- إثبات الحديث لحقيقة الحوض، وأنه من فضل الله على نبيه ﷺ في الآخرة.
- الحديث فيه بشارة لأمة محمد ﷺ بأنه سيتقدمهم على الحوض.
- رفق النبي ﷺ وحرصه على أمته.
- خطورة الارتداد عن الإسلام.
- من صفات الواردين على الحوض التمسك بكتاب الله وسنة نبيه ﷺ، والثبات عليهما حتى الممات.
اخترنا لكم: كذاب ثقيف